، فأما إن كان الثابت بمقتضى البراءة الأصلية، ونقل الخبران، فإنهما يتعارضان هنا، ويرجع إلى البراءة الأصلية. بل عبد الجبار يقول: إن تقديم الناقل أو المقرر على الاختلاف ليس من باب الترجيح بل من باب النسخ. وهو ضعيف؛ لأنه لا يتوقف رفعه على ما يرفع به الحكم الشرعي).
وما ذهب إليه الجمهور أولى لأن الناقل فيه زيادة على المبقى على البراءة الأصلية بإثباته حكما شرعيا ليس موجودا في الأصل.
قال المجد في "المسودة" (ص/281): (واذا كان أحدهما يوافق النفي الأصلي والآخر ناقل عنه قدم دفعا لاحتمال النسخ مرتين ذكره أبو الخطاب).
وإنما يتحقق النسخ مرتين إذا قلنا أن رفع الإباحة العقلية نسخا، وليس كذلك.
قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة" (3/ 706): («فيرجح المجرى على عمومه على المخصوص».
أي: إذا تعارض عامان أحدهما باق على عمومه، والآخر قد خص بصورة فأكثر ; رجح الباقي على عمومه على المخصوص، لأنه مختلف في بقائه حقيقة أو مجازا، وحجة، أو غير حجة، والباقي على عمومه لا خلاف في بقائه حقيقة وحجة، فكان راجحا.
قلت: وكذلك يقدم ما كان أقل تخصيصا على الأكثر تخصيصا، مثل أن يخص أحدهما بصورة، والآخر بصورتين، فالأول أرجح، لأنه أقرب إلى الأصل، وهو البقاء على العموم ومخالفة الأصل فيه أقل).
قال الشنقيطي في "المذكرة" (ص/300): (العام الذي لم يدخله تخصيص، مقدم على العام الذي دخله تخصيص، وهذا رأي جمهور أهل الأصول، ولم أعلم أحداً خالف فيه إلا صفي الدين الهندي، والسبكي ... وحجة الجمهور أن العام المخصص اختلف في كونه حجة في الباقي بعد التخصيص، والذين قالوا هو حجة في الباقي قال جماعة منهم هو مجاز في الباقي، بخلاف الذي لم يدخله تخصيص، فهو سالم من ذلك، وما اتفق على أنه حجة وأنه حقيقة أولى مما اختلف في حجيته وهل هو حقيقة أو مجاز. وإن كان الصحيح أنه حجة وحقيقة في الباقي بعد التخصيص، لأن مطلق