الخلاف يكفي في ترجيح غيره عليه.
وحجة الصفي الهندي والسبكي أن الغالب في العام التخصيص، والحمل على الغالب أولى، وأن ما دخله التخصيص يبعد تخصيصه مرة أخرى بخلاف الباقي على عمومه.
ومثال هذه المسألة قوله تعالى: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) الآية [النساء: 23]. فانه عام في كل أختين سواء كان الجمع بينهما بنكاح أو بملك يمين، وهذا العام لم يدخله تخصيص فهو مقدم على عموم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية [المؤمنون: 5، 6]. فان قوله تعالى: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) شامل بعمومه للأختين إلا أن عموم (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) يخصصه عموم (وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) [النساء: 23]، فلا تحل الأخت من الرضاعة بملك اليمين إجماعاً، ويخصصه أيضاً عموم. ({وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) الآية [النساء: 22]. فلا تحل موطوءة الأب بملك اليمين إجماعاً. فان قيل: عموم (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) مخصص بعموم (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ). فالجواب أن ذلك التخصيص هو محل النزاع، والاستدلال بصورة النزاع ممنوع بأطباق النظار، كما هو معلوم في محله.
فان كان كل واحد من العامين دخله تخصيص فالأقل تخصيصاً مقدم على الأكثر تخصيصاً، ومثال هذا ما لو ذبح الكتابي ذبيحة، ولم يسم عليها الله، ولا غيره، فعموم قوله تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) [المائدة: 5] يقتضي إباحتها. وعموم: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) [الأنعام: 121] يقتضي تحريمها، وكل من العمومين دخله تخصيص إلا أن الأول خصص مرة واحدة، والثاني خصص مرتين، فالأول أقوى لأنه أقل تخصيصاً لأن قوله تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) [المائدة: 5] لم يخصص إلا تخصيصه واحدة وهي بما إذا لم يسم الكتابي على ذبيحته غير الله كالصليب، أو عيسى، فان سمى على ذبيحته غير الله، دخلت في عموم (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) [المائدة: 3]، على الأصح الذي لا ينبغي العدول عنه. أما الآية (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) [الأنعام: 121] فقد خصصت تخصيصتين، خصصها الجمهور بغير الناسي، فتارك التسمية نسياناً