في بعض الصور حصل المقصود (?). وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر هذا التقدير ابتداء، وإنما ذكره في جواب من سأله عن مياه الفلاة التي تردها السباع والدواب، والتخصص إذا كان له سبب غير اختصاص الحكم لم يبق حجة باتفاق كقوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ) [الأنعام: 151] فإنه خص هذه الصورة بالنهي لأنها هي الواقعة لا لأن التحريم يختص بها، وكذلك قوله: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) [البقرة: 283] فذكر الزمن في هذه الصورة للحاجة، مع أنه قد ثبت سائل أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة، فهذا رهن في الحضر، فكذلك قوله: إذا بلغ الماء قلتين، في جواب سائل معين بيان لما احتاج السائل إلى بيانه، فلما كان حال المسؤول عنه كثيرا قد بلغ قلتين، ومن شأن الكثير أنه لا يحمل الخبث فلا يبقى الخبث فيه محمولا، بل يستحيل الخبث فيه لكثرته، بين لهم أن ما سألتم عنه لا خبث فيه فلا ينجس، ودل كلامه صلى الله عليه وسلم على أن مناط التنجيس هو كون الخبث محمولا فحيث كان الخبث محمولا موجودا في الماء كان نجسا، وحيث كان الخبث مستهلكا غير محمول في الماء كان باقيا على طهارته، فصار حديث القلتين موافقا (?) لقوله: (الماء طهور لا ينجسه شيء)، والتقدير فيه لبيان صورة السؤال، لا أنه أراد أن كل ما لم يبلغ قلتين فإنه يحمل الخبث، فإن هذا مخالف للنص، إذ ما دون القلتين قد لا يحمل الخبث ولا ينجسه شيء كقوله: (الماء الطهور لا ينجسه شيء)، وهو إنما أراد إذا لم يتغير في الموضعين، وأما إذا كان قليلا فقد يحمل الخبث لضعفه).
الثاني - حد التفريق بين القليل والكثير غير منضبط، وقد اختلف العلماء في تحديد مقدار القلتين اختلافا كثيرا.