النهي عما ليس في ملكك إذا نهيت عن تملكه أو استباحته إلا على صفة ما في نكاح أو بيع أوصيد أو نحو ذلك فالنهي عنه نهي تحريم فافهم هذا الأصل).

وهذا التفريق لا ينضبط فالقيد الذي ذكره يعود على تعليله بالإبطال، إذ أن مفاد التعليل جواز التصرف فيه كيف شاء ثم قيد هذا الجواز بعدم التعدي في التصرف على سنته، وهذا القيد هو بعينه مفاد النهي؛ إذ أننا ما عرفنا كون هذا الفعل فيه تعدي أو غيره إلا من النهي، فإن فعل المنهي عنه يكون قد تعدي وخرج النهي عن باب الأدب.

ومن الأمثلة التي تبين عدم انضباط هذا التفريق النهي عن حلق اللحية، وعن وطء المرأة وفي بطنها جنين لغيره، وعن الأكل بالشمال والشرب بها، وعن الاستنجاء باليمين، وكل هذه المناهي فيما هو مملوك لنا، وقد ذهب ابن عبر البر إلى أنها محرمة.

وعليه فجعل مطلق الأمر للوجوب، وكذا مطلق النهي للتحريم - إلا لقرينة -، سواء أكان في العبادات أم الآداب هو الأولى، وخاصة أنه إن فتح مثل هذا الباب مع عدم انضباط وجه التفريق فسيكون سبيلا للتخلص من أوامر ونواهي الشريعة بزعم أنها إنما وردت في الآداب.

تتمة:

بقيت نقطة أشار إليها الشيخ في "شرح الأصول" (ص/156) حيث قال: (العلماء في أصول الفقه أصَّلوا هذه القاعدة - الأصل في الأمر الوجوب - لكن تطبيقها في كل مسألة جزئية فيه شيء من الصعوبة. ووجهه ما أشرتُ، أنك تجد أوامر كثيرة في القرآن وفي السنة قال العلماء فيها: إنها ليست للوجوب، فيبقي الإنسان متحيراً هل العلماء قالوا هذا بناءً علي أن الأصل في الأوامر عدم الوجوب، أو لهم قرائن وأدلة تخرج هذه الأمر المعين عن الوجوب؟ إن كان الثاني فالأمر واضح، والإنسان يبقي مطمئناً ينشرح الصدر إذا وجد دليلاً يخرجه عن الوجوب، لكن أحياناً لا يجد دليلاً يخرجه عن الوجوب، ولا ينشرح صدره بالإيجاب، ولا تطمئن نفسه للوجوب، ويخشى أن يُلزم نفسه أو يُلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به فيقع في هلكة وفي محظور. لكن الطريقة السليمة أن نقول: نمسك هذا الأصل - وهو أن الأصل في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015