الكراهة ومثل هذا في ثنايا كلامهم ممّا يدل على أن هذه القاعدة مستعملة عندهم.
قال الشيخ في شرح منظومته في الأصول: (ومن العلماء من فصل فقال: أما الأمر حين يتعلق بالآداب والأخلاق فإنه للاستحباب؛ لأنه كمال، والكمال ليس بواجب، وكذلك يقال النهي حين يتعلق بالآداب والأخلاق إنه للكراهة، أما ما يتعلق بالعبادات فإن الأمر فيه للوجوب والنهي للتحريم؛ وذلك لأنك إذا استتبعت كثيرا من الأوامر فيما يتعلق بالآداب والأخلاق وجدتها للاستحباب والندب لا للوجوب، وكذلك إذا تأملت كثيرا من النواهي في الأخلاق والآداب وجدتها للكراهة لا للتحريم.
وهذا الحكم في ما لم يجمع العلماء على خلافه، فإن أجمع العلماء على خلافه فإن إجماعهم حجة معصومة).
وقال في شرح الأصول (ص/158): (بعض العلماء يقولون: إن الأوامر التي لا تتعلق بالعبادة كلها للإرشاد، وان الشارع أرشدك إلى ما فيه المصلحة ولم يلزمك بها إلزاما ... فيقول كل شيء لا يتعلق بالعبادة فالأصل أنه للإرشاد ... لكن الجمهور على خلاف ذلك يقولون: كل أوامر الشرع كلها عبادة حتى ما يتعلق بالعادة فهو عبادة).
محصل كلام الشيخ الأخير أنه رد على هذه القاعدة بالتفريق بين الأوامر في العبادات وغيرها من العادات والآداب، وأعاد الكل إلى أصل الخلاف في مسألة الأمر هل يفيد الوجوب، وقد سبق بيان الراجح وأنه للوجوب وهذا القول الثاني للشيخ من عدم التفريق هو الأقوى وذلك لما يأتي:
1 - عموم الأدلة التي سبق ذكرها والدالة على أن الأوامر للوجوب ولم تفرق بين ما كان في الآداب وما كان في الأحكام.
2 - أنه لا يوجد ضابط صحيح منضبط لهذا التفريق.
وقد فرق بينهما ابن عبد البر في "التمهيد" (18/ 177) بقوله: (نهيه صلى الله عليه وسلم عن المشي في نعل واحدة نهي أدب لا نهي تحريم والأصل في هذا الباب أن كل ما كان في ملكك فنهيت عن شيء من تصرفه والعمل به فإنما هو نهي أدب؛ لأنه ملكك تتصرف فيه كيف شئت ولكن التصرف على سنته لا تتعدى وهذا باب مطرد ما لم يكن ملكك حيوانا فتنهى عن أذاه فإن أذى المسلم في غير حقه حرام وأما