قال الزركشي في "تشنيف المسامع" (1/ 317): (الفرق بين الإرشاد والكراهة ما سبق في الفرق بينه وبين الندب، ولهذا اختلف أصحابنا في كراهة المشمس شرعية، أو إرشادية، أي متعلق الثواب، أو ترجع إلى مصلحة طبية).
وقال العطار في " حاشيته على جمع الجوامع" (1/ 497): (الفرق بينه - أي الإرشاد - وبين الكراهة أن المفسدة المطلوب درؤها فيه دنيوية وفي الكراهة دينية).
قال أبو زرعة العراقي في " طرح التثريب" (8/ 111) في شرح حديث: (لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون): (هذا النهي ليس للتحريم بل ولا للكراهة وإنما هو للإرشاد، والفرق بينه وبين ما كان للندب في الفعل وللكراهة في الترك أن ذلك لمصلحة دينية والإرشاد يرجع لمصلحة دنيوية وقد بين عليه الصلاة والسلام المعنى في ذلك بقوله في حديث جابر في الصحيحين وأن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم وأراد بالفويسقة الفأرة لخروجها على الناس من جحرها بالفساد وقوله تضرم بضم التاء وإسكان الضاد أي تحرق سريعا ... ).
ومن أمثلة النهي الإرشادي أيضا: النهي عن المشي في نعل واحدة، وعن الانتعال من قيام.
وأما ما كان من النواهي التي في تكون في باب المعاملات والتي لا ينفك عنها الوجه الامتثالي فلا تدخل في هذا الباب على الراجح عندي، مثل النهي عن بيع الدين بالدين، والبيعتان في بيعة، وبيع المعدوم، والمجهول، ونحو ذلك.
والضابط في ذلك أن الإرشاد ما كان الأمر أو النهي فيه خاصا بالأمور الدنيوية وقاصرا على العبد، وأما ما كان منها متعديا ومنظما لعلاقته مع غيره، فالحكم يكون بالندب أو الكراهة كما قال القرافي في الفروق (2/ 373): (كل حق للعبد فيه حق لله تعالى وهو أمره عز وجل بإيصاله إلى مستحقه كأداء الديون ورد الغصوب والودائع).
محل النزاع هو الأوامر أو النواهي التي لم يدل على صرفها للندب، أو الكراهية دليل شرعي كإجماع، أو نص من كتاب، أو سنة، وإنما قيل بصرفها لكونها في باب الآداب، وقد نص كثير من العلماء على أن ما كان في الآداب فهو للندب، أو