والإرشاد إنما يكون بالنظر للعادات، أو الأمور الدنيوية لذاتها (العادات المحضة) بقطع النظر عن نية الامتثال أو شائبة التعبد، كالأكل لنيل حظ النفس من الشبع، والشرب للري، والنوم لراحة الجسد، ونحو ذلك. وشأن هذه الأفعال أن تكون مباحة ما لم تخالف نصا عاما للشريعة فتكون معصية، كمن أسرف في الأكل أو الشرب، أو تناول محرما منهما، أو تعمد النوم لإضاعة الصلاة، ونحو ذلك مما هو معلوم.
أما إن خالطت نية فعل هذا الأمر الإرشادي نية الامتثال - كمن نام ليتقوى على قيام الليل -، أو انفردت نية الامتثال، وتجردت عند الفاعل وانقطع نظره من مراعاة حظ نفسه، فلا شك أنه يؤجر على نية الامتثال في هاتين الحالتين، وقد فصل السبكي هذه الحالات فقال في "الإبهاج " (2/ 17): (والفرق بين الندب والإرشاد أن المندوب مطلوب لثواب الآخرة، والإرشاد لمنافع الدنيا، ولا يتعلق به ثواب البتة؛ لأنه فعل متعلق بغرض الفاعل ومصلحة نفسه، وقد يقال إنه يثاب عليه لكونه ممتثلا، ولكن يكون ثوابه أنقص من ثواب الندب؛ لأن امتثاله مشوب بحظ نفسه، ويكون الفارق إذا بين الندب والإرشاد إنما هو مجرد أن أحدهما مطلوب لثواب الآخرة والآخر لمنافع الدنيا، والتحقيق أن الذي فعل ما أمر به إرشادا إن أتى به لمجرد غرضه فلا ثواب له، وإن أتى به لمجرد الامتثال غير ناظر إلى مصلحته ولا قاصد سوى مجرد الانقياد لأمر ربه فيثاب، وإن قصد الأمرين أثيب على أحدهما دون الآخر، ولكن ثوابا أنقص من ثواب من لم يقصد غير مجرد الامتثال) (?).
مما سبق يتبين أن الأمر الإرشادي هو ما كان بالنظر للمصالح الدنيوية فقط، وتحصيل حظ النفس، فإن اجتمع معه نية الامتثال فقد اجتمع الندب مع الإرشاد. وكذا الأمر بالنسبة للمكروه والنهي الإرشادي.