وَالظَّالِمُ أَحَقُّ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ (و) جُرِّبَ (الذَّوْقُ بِالْمَقِرِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيْ بِالشَّيْءِ الْمُرِّ الَّذِي لَا صَبْرَ عَلَيْهِ عَادَةً.
(وَصُدِّقَ) بَالِغٌ (مُدَّعٍ ذَهَابَ الْجَمِيعِ) مِمَّا مَرَّ (بِيَمِينٍ) فَمَنْ ادَّعَى ذَهَابَ جَمِيعِ سَمْعِهِ، أَوْ جَمِيعِ بَصَرِهِ، أَوْ جَمِيعِ شَمِّهِ وَلَمْ يُمْكِنْ اخْتِبَارُهُ بِمَا مَرَّ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ (وَالضَّعِيفُ مِنْ عَيْنٍ وَرِجْلٍ وَنَحْوِهِمَا) كَيَدٍ (خِلْقَةً) ، أَوْ لِكِبَرٍ، أَوْ بِسَمَاوِيٍّ (كَغَيْرِهِ) مِنْ الْقَوِيِّ فِي الْقِصَاصِ، وَالدِّيَةُ كَامِلَةٌ وَفِيهِ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَتُؤْخَذُ الْعَيْنُ السَّلِيمَةُ بِالضَّعِيفَةِ خِلْقَةً إلَخْ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى الْخَطَإِ وَذَلِكَ عَلَى الْعَمْدِ كَمَا حُمِلَ قَوْلُهُ وَذَكَرٍ وَصَحِيحٍ وَضِدَّيْهِمَا عَلَى الْجِنَايَةِ فِي النَّفْسِ لِدَفْعِ التَّكْرَارِ.
(وَكَذَا) الْعَيْنُ، أَوْ الرِّجْلُ (الْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا) خَطَأً قَبْلَ ذَلِكَ، فَهِيَ كَالصَّحِيحَةِ فِي الْقَوَدِ، وَالْعَقْلِ كَامِلًا (إنْ لَمْ يَأْخُذْ لَهَا) فِي الْجِنَايَةِ الْأُولَى (عَقْلًا) فَإِنْ كَانَ أَخَذَ لَهَا عَقْلًا، ثُمَّ حَصَلَ لَهَا جِنَايَةٌ ثَانِيَةٌ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ دِيَتِهَا إلَّا بِحَسَبِ مَا بَقِيَ مِنْهَا وَأَمَّا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا عَمْدًا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَتُؤْخَذُ الْعَيْنُ السَّلِيمَةُ بِالضَّعِيفَةِ خِلْقَةً وَمِنْ كِبَرٍ، أَوْ لِجُدَرِيٍّ، أَوْ لِكَرَمْيَةٍ، فَالْقَوَدُ إنْ تَعَمَّدَهُ، وَإِلَّا فَبِحِسَابِهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقَيَّدُ قَوْلُهُ فَبِحِسَابِهِ بِمَا هُنَا أَيْ حَيْثُ أَخَذَ عَقْلًا.
وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَأْخُذْ لَهَا عَقْلًا أَيْ لَمْ يَجِبْ لَهَا عَقْلٌ بِأَنْ كَانَ عَمْدًا لَا عَقْلَ لَهُ فَإِنْ وَجَبَ فَبِحِسَابِهِ وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِهِ لِلْجَانِي (و) الدِّيَةُ كَامِلَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُعْطِي ثُلُثَ الدِّيَةِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ إلَخْ) عِلَّةٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْأَحْوَطِ، وَهُوَ الْحَمْلُ عَلَى الْكَثِيرِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا وَأَمَّا إذَا كَانَتْ خَطَأً فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْأَقَلِّ كَالرُّبُعِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا تَلْزَمُ بِمَشْكُوكٍ فِيهِ.
(قَوْلُهُ وَجَرَّبَ الذَّوْقَ) أَيْ الْمُدَّعِي ذَهَابَ كُلِّهِ بِالْجِنَايَةِ مَعَ الشَّكِّ فِي ذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَى زَوَالَ بَعْضِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَنُسِبَ لِذَوْقٍ وَسَطٍ مِثْلَ مَا مَرَّ فِي الشَّمِّ (قَوْلُهُ: أَيْ بِالشَّيْءِ الْمُرِّ الَّذِي لَا صَبْرَ عَلَيْهِ عَادَةً) أَيْ كَالْحَنْظَلِ، وَالصَّبْرِ فَإِذَا أَكَلَ الْحَنْظَلَ وَنَحْوَهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ تَأَثُّرٌ صُدِّقَ فِي دَعْوَاهُ، وَإِلَّا حُمِلَ عَلَى الْكَذِبِ (قَوْلُهُ: مِمَّا مَرَّ) أَيْ مِنْ السَّمْعِ، وَالْبَصَرِ، وَالشَّمِّ وَلَا يَشْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْعَقْلَ؛ لِأَنَّ مَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ لَا دَعْوَى لَهُ.
فَإِنْ قُلْت يُرَادُ بِالْمُدَّعِي مَا يَشْمَلُ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ وَوَلِيَّهُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْعَقْلِ.
قُلْت وَلِيُّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ؛ إذْ لَا يُحَلَّفُ الشَّخْصُ لِيَسْتَحِقَّ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ اخْتِبَارُهُ بِمَا تَقَدَّمَ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ ذَهَابَ السَّمْعِ كُلِّهِ يُخْتَبَرُ بِالْأَصْوَاتِ الْمُزْعِجَةِ عَلَى غَفْلَةٍ كَالْبُوقِ، وَالطَّبْلِ وَذَهَابُ الْبَصَرِ كُلِّهِ يُخْتَبَرُ بِالْأَشِعَّةِ الَّتِي لَا ثَبَاتَ لِلْبَصَرِ مَعَهَا وَذَهَابُ جَمِيعِ الشَّمِّ يُخْتَبَرُ بِالرَّائِحَةِ الْحَادَّةِ، وَهَذَا قَدْ تَقَدَّمَ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ فَلَمْ يَتَقَدَّمَا لَا لَلْمُصَنِّفِ وَلَا لِلشَّارِحِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالضَّعِيفُ) أَيْ، وَالْعُضْوُ الضَّعِيفُ الَّذِي لَمْ يَذْهَبْ جُلُّ نَفْعِهِ حَالَةَ كَوْنِ ضَعْفِهِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ بَلْ خِلْقَةً (قَوْلُهُ: فِي الْقَاصِّ) أَيْ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ عَمْدًا وَقَوْلُهُ، وَالدِّيَةُ كَامِلَةٌ أَيْ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ خَطَأً، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْعُضْوَ الضَّعِيفَ بِكَوْنِهِ لَمْ يَذْهَبْ جُلُّ نَفْعِهِ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ جُلُّ نَفْعِهِ لَيْسَ فِيهِ الدِّيَةُ إلَّا بِحِسَابِ مَا بَقِيَ فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْجِنَايَةِ فِي النَّفْسِ) أَيْ وَمَا هُنَا عَلَى الْأَطْرَافِ (قَوْلُهُ: الْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا خَطَأً) أَيْ جِنَايَةً لَمْ تُذْهِبْ جُلَّ مَنْفَعَتِهَا وَقَوْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَيْ قَبْلَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْقَوَدِ) أَيْ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ الثَّالِثَةُ عَمْدًا وَقَوْلُهُ، وَالْعَقْلُ كَامِلًا أَيْ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ خَطَأً وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَأْخُذْ لَهَا عَقْلًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ، وَالْعَقْلُ كَامِلًا (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهُ مِنْ دِيَتِهَا إلَّا بِحَسَبِ مَا بَقِيَ مِنْهَا) أَيْ كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَذْهَبَتْ الْجِنَايَةُ الْأُولَى جُلَّ مَنْفَعَتِهَا لَيْسَ لَهُ مِنْ الدِّيَةِ إلَّا بِحَسَبِ مَا بَقِيَ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا) أَيْ أَوَّلًا عَمْدًا (قَوْلُهُ: أَوْ لِكَرَمْيَةٍ) صَادِقٌ بِكَوْنِ الرَّمْيَةِ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً وَقَوْلُهُ، وَإِلَّا فَبِحِسَابِهِ أَيْ، وَإِلَّا يَتَعَمَّدُهُ فَبِحِسَابِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ حَيْثُ أَخَذَ) أَيْ أَوَّلًا عَقْلًا أَيْ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ، فَالدِّيَةُ كَامِلَةً.
(قَوْلُهُ: أَيْ لَمْ يَجِبْ لَهَا عَقْلٌ بِأَنْ كَانَ عَمْدًا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى عَمْدٌ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْحَلِّ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَأْخُذْ لَهَا عَقْلًا أَيْ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَخْذِ عَقْلِهَا فَإِنْ أَخَذَ لَهَا عَقْلًا بِالْفِعْلِ، أَوْ عَفَا عَنْهُ فَلَهُ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ.
وَحَاصِلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ مَعَ زِيَادَةِ أَرْبَعِ صُوَرٍ الْأُولَى مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ عَمْدًا وَحَاصِلُ الْقَوْلِ فِيهَا أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْ الْجَانِي مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُولَى عَمْدًا، أَوْ خَطَأً أَخَذَ لَهَا عَقْلًا، أَوْ لَا مَا لَمْ تَكُنْ الْأُولَى أَذْهَبَتْ جُلَّ الْمَنْفَعَةِ، وَإِلَّا فَلَا قَوَدَ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَهُ مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ الثَّانِيَةُ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ خَطَأً، وَالْأُولَى كَذَلِكَ وَأَخَذَ لَهَا عَقْلًا فَلَهُ فِي الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ، وَهَذِهِ مَفْهُومُ الشَّرْطِ هُنَا الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ خَطَأً وَلَمْ يَأْخُذْ عَقْلًا لِلْأُولَى فَإِنْ كَانَ لِتَعَذُّرِ الْأَخْذِ مِنْ الْجَانِي اسْتَحَقَّ بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ كُلَّ الدِّيَةِ، وَهَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي مَنْطُوقِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ تُذْهِبَ الْأُولَى جُلَّ الْمَنْفَعَةِ فَلَهُ بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ أَخْذِهِ عَقْلًا لِلْأُولَى لِعَفْوِهِ عَنْ الْجَانِي فَلَهُ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِهِ لِلْجَانِي فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ الرَّابِعَةُ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ خَطَأً، وَالْأُولَى عَمْدًا فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ الْأُولَى أَذْهَبَتْ جُلَّ الْمَنْفَعَةِ فَلَهُ بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ الْأُولَى لَمْ تُذْهِبْ جُلَّ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ لَمْ يُصَالِحْ عَنْهَا بِشَيْءٍ فَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ الْعَقْلُ كَامِلًا، وَإِنْ صُولِحَ عَنْهَا بِشَيْءٍ فَلَهُ بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ.
(قَوْلُهُ: وَالدِّيَةُ كَامِلَةٌ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَفِي لِسَانٍ إلَخْ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ سَابِقًا فِي الْعَقْلِ أَيْ