(لَا) يُؤَخَّرُ جَانٍ (بِدُخُولِ الْحَرَمِ) فِرَارًا مِنْ الْقِصَاصِ وَلَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ خَارِجَهُ وَلَوْ مُحْرِمًا وَلَا يُنْتَظَرُ لِإِتْمَامِهِ وَلَمَّا كَانَ الْقَائِمُ بِالدَّمِ إمَّا رِجَالٌ فَقَطْ، أَوْ نِسَاءٌ فَقَطْ، أَوْ هُمَا تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فَقَالَ (وَسَقَطَ) الْقِصَاصُ (إنْ عَفَا رَجُلٌ) مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ (كَالْبَاقِي) نَعْتٌ لِرَجُلٍ أَيْ مُمَاثِلٍ لِلْبَاقِي فِي الدَّرَجَةِ، وَالِاسْتِحْقَاقِ كَابْنَيْنِ، أَوْ أَخَوَيْنِ، أَوْ عَمَّيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَوْلَى إنْ كَانَ الْعَافِي أَعْلَى كَعَفْوِ ابْنٍ مَعَ أَخٍ، أَوْ أَخٍ مَعَ عَمٍّ فَإِنْ كَانَ أَنْزَلَ دَرَجَةً لَمْ يُعْتَبَرْ عَفْوُهُ؛ إذْ لَا كَلَامَ لَهُ كَعَفْوِ أَخٍ مَعَ وُجُودِ ابْنٍ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْعَافِي لَمْ يُسَاوِ الْبَاقِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ مَعَ وُجُودِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ؛ إذْ لَا اسْتِحْقَاقَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَأَشَارَ لِلْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ (وَالْبِنْتُ) ، أَوْ بِنْتُ الِابْنِ (أَوْلَى) أَيْ أَحَقُّ (مِنْ الْأُخْتِ فِي عَفْوٍ وَضِدِّهِ) ؛ إذْ لَا كَلَامَ لِلْأُخْتِ مَعَهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُسَاوَاتِهَا لَهَا فِي الْإِرْثِ مُسَاوَاتُهَا فِي الْعَفْوِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهَذَا إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ وَأَمَّا لَوْ احْتَاجَ الْقِصَاصُ لِقَسَامَةٍ فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَقْسِمَا؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا يَقْسِمْنَ فِي الْعَمْدِ، وَإِنَّمَا يَقْسِمُ الْعَصَبَةُ فَإِنْ أَقْسَمُوا وَأَرَادُوا الْقَتْلَ وَعَفَتْ الْبِنْتُ فَلَا عَفْوَ لَهَا، وَإِنْ عَفَوْا وَأَرَادَتْ الْقَتْلَ فَلَا عَفْوَ لَهُمْ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْجَمِيعِ، أَوْ بَعْضٍ مِنْ الْبَنَاتِ وَبَعْضٍ مِنْهُمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي أَيْضًا (وَإِنْ عَفَتْ بِنْتٌ مِنْ بَنَاتٍ) ، أَوْ بِنْتُ ابْنٍ مِنْ بَنَاتِ ابْنٍ، أَوْ أُخْتٌ مِنْ أَخَوَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ عَاصِبٌ، أَوْ عَاصِبٌ لَا كَلَامَ لَهُ (نَظَرَ الْحَاكِمُ) فِي الْعَفْوِ وَضِدِّهِ إنْ كَانَ عَدْلًا، وَإِلَّا فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَشَارَ لِلْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ (وَفِي) اجْتِمَاعِ (رِجَالٍ وَنِسَاءٍ) أَعْلَى دَرَجَةً مِنْهُمْ وَكَانَ لِلرِّجَالِ كَلَامٌ بِأَنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ (لَمْ يَسْقُطْ) الْقِصَاصُ (إلَّا بِهِمَا) أَيْ بِعَفْوِ الْفَرِيقَيْنِ وَمَنْ أَرَادَ الْقَتْلَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، فَالْقَوْلُ لَهُ (أَوْ بِبَعْضِهِمَا) أَيْ بَعْضِ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ وَقَوْلُنَا وَنِسَاءٍ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْ الرِّجَالِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَ الرِّجَالُ مُسَاوِينَ لِلنِّسَاءِ فَلَا كَلَامَ لَهُنَّ، وَالِاسْتِيفَاءُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ.
(قَوْلُهُ: لَا يُؤَخَّرُ جَانٍ) أَيْ لَا يُؤَخَّرُ قِصَاصٌ عَلَى جَانٍ عَلَى نَفْسٍ، أَوْ عُضْوٍ، وَكَذَا مُتْلِفٌ لِمَالٍ بِدُخُولِ الْحَرَمِ بَلْ يُقْتَصُّ مِنْهُ فِيهِ فَإِنْ لَجَأَ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَوْ لِلْبَيْتِ أُخْرِجَ مِنْهُ وَاقْتُصَّ مِنْهُ خَارِجَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْحَرَمُ الَّذِي دَخَلَهُ الْجَانِي غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِأَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ الْمَحْدُودَ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ حِلًّا بِدُونِ إحْرَامٍ وَلَا يُصَادُ مِنْهُ بَلْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْحَرَمُ الَّذِي دَخَلَهُ الْجَانِي الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، أَوْ الْبَيْتَ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْجِدِ) أَيْ وَيُخْرَجُ ذَلِكَ الْجَانِي مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَلَوْ فِي الْحَرَمِ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُؤَدِّي إلَى تَنْجِيسِهِ، وَإِخْرَاجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فَعَلَ مُوجِبَ ذَلِكَ الْحَدِّ فِي الْحَرَمِ، أَوْ فَعَلَهُ خَارِجَهُ وَلَجَأَ إلَيْهِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] فَقِيلَ إنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ بِدَلِيلِ {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67] وَقِيلَ إنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] .
وَقِيلَ الْمُرَادُ {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] مِنْ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ وَقِيلَ أَنَّ الْجُمْلَةَ إنْشَائِيَّةٌ مَعْنَى أَيْ أَمَّنُوهُ مِنْ الْقَتْلِ، وَالظُّلْمِ إلَّا لِمُوجِبٍ شَرْعِيٍّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُحْرِمًا) مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: وَسَقَطَ الْقِصَاصُ) أَيْ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَقْتَصُّ مَنْ يَعْرِفُ (قَوْلُهُ: إنْ عَفَا رَجُلٌ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَائِمُ بِالدَّمِ رِجَالًا فَقَطْ مُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ، وَالِاسْتِحْقَاقِ فَإِنْ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى الْقِصَاصِ اقْتَصُّوا، وَإِنْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ الْقِصَاصَ وَبَعْضُهُمْ الْعَفْوَ، فَالْقَوْلُ لِمَنْ طَلَبَ الْعَفْوَ وَمَتَى حَصَلَ الْعَفْوُ مِنْ أَحَدِهِمْ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَلِمَنْ لَمْ يَعْفُ نَصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِحْقَاقِ) أَيْ اسْتِحْقَاقِ الدَّمِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا اسْتِحْقَاقَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ) أَيْ فِي الدَّمِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لِلْعَاصِبِ، وَهُمْ غَيْرُ عَصَبَةٍ (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ لِلْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ) أَيْ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْقَائِمُ بِالدَّمِ نِسَاءً فَقَطْ وَذَلِكَ لِعَدَمِ مُسَاوَاةِ عَاصِبٍ لَهُنَّ فِي الدَّرَجَةِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ عَاصِبٌ أَصْلًا، أَوْ وُجِدَ وَكَانَ أَنْزَلَ مِنْهُنَّ دَرَجَةً وَقَدْ حُزْنَ الْمِيرَاثَ وَثَبَتَ الْقَتْلُ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُسَاوَاتِهَا لَهَا فِي الْإِرْثِ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ إلَّا هُمَا (قَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَالْبِنْتُ، أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ فِي عَفْوٍ وَضِدِّهِ (قَوْلُهُ: فَلَا عَفْوَ لَهَا) أَيْ، وَالْقَوْلُ لِلْعَصَبَةِ فِي الْقِصَاصِ (قَوْلُهُ: فَلَا عَفْوَ لَهُمْ) أَيْ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي طَلَبِ الْقِصَاصِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْبَنَاتِ إذَا حُزْنَ الْمِيرَاثَ وَثَبَتَ الْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ، فَالْقَوْلُ لِمَنْ طَلَبَ الْقَتْلَ مِنْ الرِّجَالِ، أَوْ النِّسَاءِ وَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ بِغَيْرِهَا فَلَا حَقَّ لِلْعَصَبَةِ مَعَهُنَّ لَا فِي عَفْوٍ وَلَا فِي قَوَدٍ، وَالْحَقُّ لِلنِّسَاءِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَاصِبٌ لَا كَلَامَ لَهُ) أَيْ لِكَوْنِ الْقَتْلِ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ.
(قَوْلُهُ: نَظَرَ الْحَاكِمُ فِي الْعَفْوِ وَضِدِّهِ) أَيْ أَيُّهُمَا
أَصْلَحُ
فِعْلُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَصَبَةِ عِنْدَ فَقْدِهَا لِإِرْثِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الْمَقْتُولِ، وَإِذَا أَمْضَى الْإِمَامُ بِنَظَرِهِ عَفْوَ بَعْضِ الْبَنَاتِ فَلِمَنْ بَقِيَ مِنْهُنَّ نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ وَمَفْهُومُ بِنْتٍ مِنْ بَنَاتٍ أَنَّهُنَّ لَوْ عَفَوْنَ كُلُّهُنَّ، أَوْ أَرَدْنَ الْقَتْلَ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: وَفِي اجْتِمَاعِ رِجَالٍ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانُوا وَارِثِينَ كَبَنَاتٍ وَعَصَبَاتٍ تَوَقَّفَ الثُّبُوتُ عَلَيْهِمْ أَمْ لَا، أَوْ غَيْرَ وَارِثِينَ وَتَوَقَّفَ الثُّبُوتُ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ الْقَسَامَةِ كَبِنْتٍ وَأُخْتٍ وَعَصَبَةٍ اُنْظُرْ بْن وَشَارِحُنَا قَصَرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى الثَّانِي حَيْثُ قَالَ وَكَانَ لِلرِّجَالِ كَلَامٌ بِأَنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ وَكَانَ لِلرِّجَالِ كَلَامٌ لِكَوْنِهِمْ