وَمِنْهُ مَنْ يَأْخُذُ أَمْوَالَ النَّاسِ لِلتِّجَارَةِ، ثُمَّ يَدَّعِي ذَهَابَهَا وَلَمْ يَظْهَرْ مَا يُصَدِّقْهُ مِنْ احْتِرَاقِ مَنْزِلِهِ أَوْ سَرِقَتِهِ أَوْ نَحْوِهِمَا فَإِنَّهُ يُحْبَسُ أَبَدًا، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ حَمِيلٌ فَالتَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ السِّجْنِ (وَأُجِّلَ) بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ الْمَدِينِ غَيْرُ الْمُفَلَّسِ عُلِمَ مِلَاؤُهُ أَوْ ظَهَرَ إذَا طَلَبَ التَّأْجِيلَ (لِبَيْعِ عَرْضِهِ إنْ أَعْطَى حَمِيلًا بِالْمَالِ) لَا بِالْوَجْهِ (وَإِلَّا سُجِنَ) وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ بَيْعُهُ كَالْمُفَلَّسِ؛ لِأَنَّ الْمُفَلَّسَ قَدْ ضُرِبَ عَلَى يَدَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ فَيَبِيعُ عَرْضَهُ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَا يَحْتَاجُ لِتَأْجِيلٍ (وَفِي حَلِفِهِ) أَيْ الْمَدِينِ وَلَوْ مُفَلَّسًا لَمْ يُعْلَمْ عِنْدَهُ نَاضٌّ أَيْ فِي جَبْرِهِ عَلَى الْحَلِفِ (عَلَى عَدَمِ النَّاضِّ) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَعَدَمِ جَبْرِهِ عَلَى حَلِفِهِ (تَرَدُّدٌ) فِي مَجْهُولِ الْحَالِ وَظَاهِرِ الْمِلَاءِ وَمَعْلُومِهِ، وَأَمَّا مَعْلُومُ النَّاضِّ فَلَا يَحْلِفُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ عُلِمَ بِالنَّاضِّ) عِنْدَهُ (لَمْ يُؤَخَّرْ) وَلَمْ يَحْلِفْ (وَضُرِبَ) أَيْ مَعْلُومُ الْمِلَاءِ عَلِمَ بِالنَّاضِّ أَمْ لَا فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى سُجِنَ لَا عَلَى لَمْ يُؤَخَّرْ (مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ) بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَوْ أَدَّى إلَى إتْلَافِ نَفْسِهِ (وَإِنْ شَهِدَ بِعُسْرِهِ) أَيْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِعُسْرِ مَجْهُولِ الْحَالِ، وَظَاهِرِ الْمَلَاءِ قَائِلَةٌ (إنَّهُ) أَيْ مُدَّعِي الْعُسْرِ (لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ، وَلَا بَاطِنٌ حَلَفَ كَذَلِكَ) أَيْ يَقُولُ فِي يَمِينِهِ لَا أَعْرِفُ لِي مَالًا ظَاهِرًا، وَلَا بَاطِنًا إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ مَالًا فِي الْوَاقِعِ لَا يَعْلَمُهُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ (وَزَادَ) فِي يَمِينِهِ (وَإِنْ وَجَدَ) مَالًا (لَيَقْضِيَنَّ) الْغُرَمَاءَ حَقَّهُمْ وَفَائِدَةُ الزِّيَادَةِ عَدَمُ تَحْلِيفِهِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ اسْتَفَادَ مَالًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُحْبَسُ أَبَدًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ حَمِيلٌ كَذَا قَالَ شَارِحُنَا تَبَعًا لعبق وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْحَمِيلُ حَمِيلًا بِالْمَالِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الَّذِي فِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ السِّجْنِ وَالضَّرْبِ إلَّا حَمِيلٌ غَارِمٌ، وَمِثْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ عِيَاضٍ وَكَذَا فِي مَتْنِ الْعَاصِمِيَّةِ اهـ بْن (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُلِدِّ الْمُعَانِدِ، وَقَوْلُهُ لِلتِّجَارَةِ أَيْ لَأَنْ يَتَّجِرَ لَهُمْ فِيهَا بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ مَثَلًا (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ مَالِهِ (قَوْلُهُ قَدْ ضُرِبَ عَلَى يَدَيْهِ) أَيْ قَدْ ضَرَبَهُ الْحَاكِمُ عَلَى يَدَيْهِ أَيْ مَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ أَيْ أَلْزَمَهُ ذَلِكَ الْمَنْعَ (قَوْلُهُ وَمَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ) أَيْ بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْمِلَاءِ وَمَعْلُومِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ التَّصَرُّفِ إذْ لَا يُفَلَّسُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى بَيْعَ مَالِهِ (قَوْلُهُ وَفِي حَلِفِهِ) أَيْ الْمَدِينِ الَّذِي بِيعَ مَالُهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ مُفَلَّسًا أَيْ هَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُفَلَّسٍ بِأَنْ كَانَ مَعْلُومَ الْمِلَاءِ أَوْ ظَاهِرَهُ، بَلْ وَلَوْ كَانَ مُفَلَّسًا لِجَهْلِ حَالِهِ، وَقَوْلُهُ لَمْ يَعْلَمْ أَيْ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عِنْده نَاضًّا (قَوْلُهُ أَيْ فِي جَبْرِهِ عَلَى الْحَلِفِ عَلَى عَدَمِ النَّاضِّ إلَخْ) قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحْلِفُ عَلَى إخْفَاءِ النَّاضِّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِهِ؟ فَقِيلَ يَحْلِفُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ دَحُونٍ، وَقِيلَ لَا يَحْلِفُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي عَلِيٍّ الْحَدَّادِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ مِنْ التُّجَّارِ حَلَفَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ زَرْبٍ وَلَا يَحْلِفُ إنْ لَمْ يَكُنْ تَاجِرًا وَالْخِلَافُ فِي هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَوَجُّهِ يَمِينِ التُّهْمَةِ اهـ بْن وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي المج (قَوْلُهُ فَلَا يَحْلِفُ) أَيْ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْحَلِفِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ عُلِمَ بِالنَّاضِّ) أَيْ عُلِمَ بِأَنَّ عِنْدَهُ نَاضًّا أَمْ لَا (قَوْلُهُ لَا عَلَى لَمْ يُؤَخَّرْ) أَيْ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ إلَّا مَنْ عُلِمَ بِالنَّاضِّ فَقَطْ، وَأَمَّا مَنْ عُلِمَ بِالْمِلَاءِ وَلَمْ يُعْلَمْ بِالنَّاضِّ فَلَا يُضْرَبُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ) أَيْ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَدَّى إلَخْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ أَمَّا لَوْ ضَرَبَهُ قَاصِدًا إتْلَافَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ (قَوْلُهُ أَيْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ) أَيْ عَدْلَانِ فَأَكْثَرُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا يَثْبُتُ الْعُسْرُ إلَّا بِشَهَادَةِ أَكْثَرِ مِنْ عَدْلَيْنِ (قَوْلُهُ قَائِلَةٌ إلَخْ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَخْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنَّهَا مَحْكِيَّةٌ بِقَوْلٍ مُقَدَّرٍ، وَهَذَا غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بَلْ يَجُوزُ فَتْحُهَا عَلَى أَنَّهَا مَجْرُورَةٌ بِجَارٍّ مَحْذُوفٍ مُتَعَلِّقٍ بِشَهِدَ أَيْ وَإِنْ شَهِدَ بِعُسْرِهِ عَلَى أَنَّهُ إلَخْ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتِّ وَإِلَّا بَطَلَتْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فِي الْوَاقِعِ وَلَا يَعْلَمُ الشَّاهِدُ بِهِ وَانْظُرْ هَلْ يُغْتَفَرُ فِي ذَلِكَ لِلْعَوَامِّ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَرَّرَ شَيْخُنَا الِاغْتِفَارَ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا شَهِدَ وَحَلَفَ أَنْ مَا شَهِدَ بِهِ حَقٌّ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَكُنْ عَامِّيًّا وَإِلَّا اُغْتُفِرَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا احْتَمَلَتْ الشَّهَادَةُ الْبَتَّ وَنَفْيَ الْعِلْمِ فَفِي بُطْلَانِهَا وَعَدَمِهِ قَوْلَانِ كَمَا لَوْ قَالَتْ إنَّهُ فَقِيرٌ عَدِيمٌ لَا مَالَ لَهُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا (قَوْلُهُ بِعُسْرِ مَجْهُولِ الْحَالِ وَظَاهِرِ الْمِلَاءِ) أَيْ وَأَمَّا مَعْلُومُ الْمِلَاءِ فَلَا يَنْفَعُهُ إلَّا الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِذَهَابِ مَا بِيَدِهِ وَلَا يَكْفِي قَوْلُهَا لَا نَعْرِفُ لَهُ مَالًا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَمِثْلُهُ مَنْ يُقِرُّ بِقُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِ الْحَقِّ وَمِلَائِهِ فَلَا تَنْفَعُهُ الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِعُدْمِهِ وَأَنَّهَا لَا تَعْرِفُ لَهُ مَالًا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لَهَا مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِهِ فِي ذَلِكَ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ إذْ يُحْتَمَلُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ، وَإِنَّمَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتِّ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ) أَيْ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْمُفِيدِ وَرَجَّحَ ابْنُ سَلْمُونٍ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ لَا يَعْلَمُهُ بِكَإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي الْيَمِينِ قَوْلَيْنِ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فَهِيَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى قَوْلِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إذْ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا لِي مَالٌ لَكَفَى فَزِيَادَةُ ذَلِكَ مُجَرَّدُ تَوْكِيدٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلِّفِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ وَجَدْته لَأَقْضِيَنَّ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْيَمِينِ، وَإِنَّمَا يَزِيدُهَا لِأَجْلِ دَفْعِ الْيَمِينِ عَنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ حُدُوثُ مَالٍ فَزِيَادَتُهَا مُجَرَّدُ اسْتِحْبَابٍ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ لِتَرْكِ الْخُصُومَاتِ اهـ تَقْرِيرُ شَيْخِنَا عَدَوِيٍّ (قَوْلُهُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ