(وَأُنْظِرَ) بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] (وَحَلَّفَ) الْمَدِينُ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ (الطَّالِبَ) الَّذِي هُوَ رَبُّ الدَّيْنِ (إنْ ادَّعَى) الْمِدْيَانُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الطَّالِبِ (عِلْمَ الْعُدْمِ) وَلَمْ يُصَدِّقْهُ؛ لِأَنَّ حَبْسَهُ حِينَئِذٍ ظُلْمٌ، فَإِنْ صَدَّقَهُ عَلَى أَنَّهُ عَدِيمٌ فَلَا يَمِينَ، وَلَا حَبْسَ وَوَجَبَ إنْظَارُهُ، فَإِنْ نَكَلَ الطَّالِبُ حَلَفَ الْمَدِينُ، وَلَا يُحْبَسُ، فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ حَلَفَ وَفَاعِلُهُ الطَّالِبُ (وَإِنْ سَأَلَ) الطَّالِبُ (تَفْتِيشَ دَارِهِ) أَيْ دَارَ الْمَدِينِ وَلَوْ غَيْرَ مُفَلَّسٍ وَمِثْلُ الدَّارِ الْحَانُوتُ وَالْمَخْزَنُ (فَفِيهِ) أَيْ فَفِي إجَابَتِهِ لِذَلِكَ (تَرَدُّدٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِيٍّ وَالْعَمَلُ عِنْدَنَا عَلَى عَدَمِهِ، وَأَمَّا تَفْتِيشُ جَيْبِهِ أَوْ كُمِّهِ أَوْ كِيسِهِ فَيُجَابُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَفِيفٌ (وَرُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْمِلَاءِ) عَلَى بَيِّنَةِ الْعُدْمِ (إنْ بَيَّنَتْ) سَبَبَهُ بِأَنْ بَيَّنَتْ أَنَّهُ أَخْفَاهُ، فَإِنْ لَمْ تُبَيِّنْ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعُدْمِ بَيَّنَتْ وَجْهَ الْعُدْمِ أَمْ لَا (وَأُخْرِجَ الْمَجْهُولُ) حَالُهُ مِنْ السِّجْنِ (إنْ طَالَ سَجْنُهُ) وَطُولُهُ مُعْتَبَرٌ (بِقَدْرِ الدَّيْنِ) قِلَّةً وَكَثْرَةً (وَ) حَالِ (الشَّخْصِ) قُوَّةً وَضَعْفًا وَيُخَلَّى سَبِيلُهُ بَعْدَ حَلِفِهِ عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ وَاحْتُرِزَ بِالْمَجْهُولِ مِنْ ظَاهِرِ الْمِلَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ بِعُدْمِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

(وَحُبِسَ النِّسَاءِ) فِي دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ (عِنْدَ أَمِينَةٍ) مُنْفَرِدَةٍ عَنْ الرِّجَالِ (أَوْ) عِنْدَ امْرَأَةٍ (ذَاتِ) رَجُلٍ (أَمِينٍ) مَعْرُوفٍ بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ مِنْ اشْتِرَاطِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَأُنْظِرَ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَأُنْظِرَ يَسَارُهُ أَيْ لِثُبُوتِ ذَلِكَ وَلَا يُلَازِمُ رَبُّ الدَّيْنِ الْغَرِيمَ بِحَيْثُ كُلَّمَا يَأْتِيهِ شَيْءٌ يَأْخُذُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ أَوْجَبَ إنْظَارَهُ لِلْيُسْرِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ إنَّهُ بَعْدَ إثْبَاتِ عُسْرِ الْغَرِيمِ يُلَازِمُهُ رَبُّ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ وَحَلَّفَ الْمَدِينُ الطَّالِبَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَدِينُ مَجْهُولَ الْحَالِ أَوْ ظَاهِرَ الْمِلَاءِ أَوْ مَعْلُومَ الْمِلَاءِ وَكَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالنَّاضِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْعُدْمِ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُؤَدِّيَ، أَوْ يُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَمُوتَ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْلِفُ وَلَا يُحَلِّفْ أَحَدًا (قَوْلُهُ فَإِنْ نَكَلَ الطَّالِبُ حَلَفَ الْمَدِينُ) أَيْ حَلَفَ أَنَّ الطَّالِبَ يَعْلَمُ بِعُدْمِهِ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ نَكَلَ أَيْ الْمَدِينُ كَمَا نَكَلَ الطَّالِبُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَدِينَ سَوَاءٌ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ أَوْ ظَاهِرَ الْمِلَاءِ أَوْ مَعْلُومَهُ إذَا طَالَبَهُ رَبُّ الدَّيْنِ بِدَيْنِهِ فَادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ بِعُدْمِهِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا حَلِفَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا سِجْنَ وَإِنْ كَذَّبَهُ رَبُّ الدَّيْنِ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِعُدْمِهِ وَحُبِسَ الْمَدِينُ فِي الْحَالَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ إلَى أَنْ يَثْبُتَ عُسْرُهُ وَفِي الثَّالِثَةِ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يُقِيمَ حَمِيلًا بِالْمَالِ، فَإِنْ نَكَلَ رَبُّ الدَّيْنِ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَدِينِ، فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يُسْجَنْ؛ لِأَنَّ حَبْسَهُ حِينَئِذٍ ظُلْمٌ وَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ (قَوْلُهُ وَإِنْ سَأَلَ تَفْتِيشَ دَارِهِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ) أَيْ وَإِنْ سَأَلَ الطَّالِبُ الْحَاكِمَ تَفْتِيشَ دَارِ الْمَدِينِ لَعَلَّهُ أَنْ يَجِدَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ يُبَاعُ لَهُ فَفِي إجَابَتِهِ لِذَلِكَ وَعَدَمِ إجَابَتِهِ تَرَدُّدٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّرَدُّدَ وَلَوْ بَعْدَ الشَّهَادَةِ عَلَى عُدْمِهِ وَحَلِفِهِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتِّ وَالظَّاهِرُ كَمَا فِي عبق أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْعُدْمُ فَلَا تَفْتِيشَ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ فَفِي إجَابَتِهِ لِذَلِكَ) أَيْ وَعَدَمِ إجَابَتِهِ فَالْقَوْلُ بِالْإِجَابَةِ أَفْتَى بِهِ فُقَهَاءُ طُلَيْطِلَة قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَأَنَا أَرَاهُ حَسَنًا فِيمَنْ ظَاهِرُهُ الْإِلْدَادُ وَالْمَطْلُ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْإِجَابَةِ لِابْنِ عَتَّابٍ وَابْنِ مَالِكٍ اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ وَفِي بْن عَنْ ابْنِ رُشْدٍ الْأَظْهَرُ أَنَّهَا تُفَتَّشُ عَلَيْهِ فَمَا وُجِدَ فِيهَا مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ وَادَّعَتْهُ زَوْجَتُهُ كَانَ لَهَا وَمَا وُجِدَ مِنْ عُرُوضِ تِجَارَةٍ بِيعَ لِغُرَمَائِهِ وَلَمْ يُصَدَّقْ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ، وَأَمَّا إنْ وَجَدَ فِيهَا مِنْ الْعُرُوضِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ تِجَارَتِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ جَرَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ اهـ فَكَانَ مِنْ حَقِّ الْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ سَهْلٍ وَابْنُ رُشْدٍ مِنْ التَّفْتِيشِ اهـ بْن وَفِي الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِتَفْتِيشِ دَارِ مَنْ اُدُّعِيَتْ عَلَيْهِ سَرِقَةٌ حَيْثُ كَانَ مُتَّهَمًا وَإِلَّا فَلَا، اُنْظُرْهُ.

(قَوْلُهُ وَالْعَمَلُ عِنْدَنَا) أَيْ بِتُونُسَ (قَوْلُهُ وَرُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْمِلَاءِ إنْ بَيَّنَتْ) يَعْنِي أَنَّ الْمَدِينَ لَوْ شَهِدَ لَهُ قَوْمٌ بِالْمِلَاءِ وَقَوْمٌ بِالْعُدْمِ فَإِنَّ بَيِّنَةَ الْمِلَاءِ تُقَدَّمُ إنْ بَيَّنَتْ سَبَبَ الْمِلَاءِ أَيْ إنْ عَيَّنَتْ مَا هُوَ مَلِيءٌ بِسَبَبِهِ بِأَنْ قَالَتْ لَهُ مَالٌ بَاطِنٌ أَخْفَاهُ سَوَاءٌ بَيَّنَتْ بَيِّنَةُ الْعُدْمِ سَبَبَ الْعُدْمِ بِأَنْ قَالَتْ مَالُهُ حُرِقَ أَوْ غَرِقَ أَمْ لَا وَإِنْ لَمْ تُبَيِّنْ بَيِّنَةُ الْمِلَاءِ مَا هُوَ مَلِيءٌ بِهِ رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْعُدْمِ بَيَّنَتْ وَجْهَ الْعُدْمِ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَلَكِنَّ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْمِلَاءِ وَإِنْ لَمْ تُبَيِّنْ سَبَبَهُ، وَالْقَاعِدَةُ تَقْدِيمُ مَا بِهِ الْعَمَلُ عَلَى الْمَشْهُورِ فَالْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ حَذْفُ قَوْلِهِ إنْ بَيَّنَتْ، فَإِنْ قِيلَ شَهَادَةُ بَيِّنَةِ الْمِلَاءِ مُسْتَصْحَبَةٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ الْمِلَاءُ وَبَيِّنَةُ الْعُدْمِ نَاقِلَةٌ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُسْتَصْحَبَةِ أُجِيبَ بِأَنَّ النَّاقِلَةَ هُنَا شَهِدَتْ بِالنَّفْيِ فَقُدِّمَتْ عَلَيْهَا الْمُسْتَصْحَبَةُ؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ فَتَقْدِيمُ النَّاقِلَةِ عَلَى الْمُسْتَصْحَبَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَشْهَدْ النَّاقِلَةُ بِالنَّفْيِ وَالْمُسْتَصْحَبَةُ بِالْإِثْبَاتِ اهـ تَقْرِيرُ شَيْخِنَا عَدَوِيٍّ (قَوْلُهُ إنْ طَالَ سِجْنُهُ) أَيْ وَلَمْ تَشْهَدْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِالْعُدْمِ؛ لِأَنَّ طُولَ سِجْنِهِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِعُدْمِهِ فَإِذَا حَلَفَ مَعَ الطُّولِ أُخْرِجَ (قَوْلُهُ وَحَالِ الشَّخْصِ) أَيْ فَلَيْسَ الْوَجِيهُ كَالْحَقِيرِ وَلَا الْقَوِيُّ كَالضَّعِيفِ وَلَا الدَّيْنُ الْكَثِيرُ كَالْقَلِيلِ (قَوْلُهُ بَعْدَ حَلِفِهِ عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ) أَيْ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ وَإِنْ وَجَدَ مَالًا لَيَقْضِيَنَّ الْغُرَمَاءَ حَقَّهُمْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا بِشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ) أَيْ لَا بِطُولِ سِجْنِهِ وَحَلِفِهِ وَمَعْلُومُ الْمِلَاءِ لَا يَخْرُجُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَوْ يَمُوتَ أَوْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ بِذَهَابِ مَالِهِ، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِعُدْمِهِ فَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ

(قَوْلُهُ عِنْدَ أَمِينَةٍ) أَيْ لَا يُخْشَى عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا حُبِسَتْ عِنْدَهَا أَيْ وَالْأَمْرَدُ الْبَالِغُ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يُحْبَسُ وَحْدَهُ أَوْ عِنْدَ مَحْرَمٍ وَغَيْرُ الْبَالِغِ لَا يُحْبَسُ (قَوْلُهُ أَوْ ذَاتِ أَمِينٍ) عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ كَمَا قَدَّرَهُ الشَّارِحُ لِيُفِيدَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015