ثم يضرب مثالًا لما ذهب إليه، بقوله: "وهل يشك أحد رأى قتيلًا يتشحط في دمه، وآخر قائم على رأسه بالسكين: أنه قتله؟ ولا سيما إذا عرف بعداوته، ولهذا جوز جمهور العلماء لولي القتيل أن يحلف خمسين يمينًا: أن ذلك الرجل قتله، ثم قال مالك وأحمد: يقتل به. وقال الشافعي: يقضي عليه بديته"1.

هذه مقالة من يرى الاعتداد بالقرائن في إثبات الجرائم الحدية، وجرائم القصاص، وإلزام عقوبتها.

لكنها مقالة لا تصل في قوتها ما ذكره جمهور الفقهاء من أدلة نقلية، وعقلية وافقت ما سبق أن اتفق جمهور الفقهاء عليه، ومنهم المالكية من درء الحد بالشبة، ومن أن الأصل براءة الذمة.

أما ما استدل به ابن قيم ومن وافقه ممن يعملون القرائن في إثبات الحدود، فهو يحتاج إلى إعادة نظر.

فما ذكر من الاستدلال بما جاء من قصة يوسف عليه السلام، أمر لا جدال فيه، والقرائن بينة، ومع هذا لا دليل فيه على إثبات حد؛ لأن الاستدلال في هذا بالقرائن أنتج دفع التهمة عن يوسف عليه السلام، وأثبت براءته التي هي الأصل، إذ الأصل براءة الذمة لا يعدل عنه إلا بدليل يقيني.

فالقرينة هنا اعتد بها أنها دليل نفي، وليس على أنها دليل إثبات أما ما استدل به على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد حكم بموجب اللوث، وطالب المدعين أن يحلفوا خمسين يمنيًا، ويستحفوا رجم القتيل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015