الحد برائحة الخمر من فم الرجل، أو فيئه خمرًا، اعتمادًا على القرينة الظاهرة. وحكم عمرو ابن مسعود -ولا يعرف لهما مخالف- بوجوب الظاهرة1.
بهذا استدل القائلون بالاعتداء بالقرائن في إثبات الجنايات الحدية، وأوجبوا بناء على ذلك الحكم بالعقوبة الحدية، على ما دلت القرائن على ارتكابه جناية من جناياتها.
فالإمام مالك قد رأى أن من قامت القرائن على إدانته بجناية حدية لا يقبل إنكاره، ولا يسقط به لحد عنه ما لم يقم دليل يشهد له بما يدفع الحد عنه، فإن لم يقم الدليل على براءته، أو أنه أكره على الفعل الذي قامت القرينة تدل عليه لزمته العقوبة، يقول الخرشي مؤكدًا ذلك: أن المرأة إذا ظهر حملها، ولا يعرف لها زوج، أو كانت أمة ولا سيد لها، أو لها سيد وهو منكر لوطئها فإنها تحد، ولا يقبل دعواها الغصب على ذلك بلا قرينة تشهد لها بذاك، وأما إن قامت لها قرينة فلا حد عليها، كما إذا جاءت تدمي وهي مستغيثة عند النازلة، أو أتت متعلقة به على ما مر بيانه عند قوله: وإن دعت استكراها على لائق بلا تعلق2.
كما يقرر ابن قيم أن عدم الاعتداد بالقرائن يترتب عليه إضاعة كثير من الحقوق، فيقول: "فالحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات، ودلائل الحال ومعرفة شواهده الحالية، والمقلية، كفقهه في كليات الأحكام، أضاع حقوقًا كثيرة على أصحابها، وحكم بما يعمل الناس بطلانه لا يشكون فيه، اعتمادًا منه على نوع ظاهر، ولم يلتفت إلى باطنه، وقرائن أحواله"3.