والوارد في أشعار العرب وأقوالهم أن الجنوب تجمع السحاب، والشمال تعصره فتأتي بالمطر، والصبا يسلي المكروب، فهذه الثلاث كلها تأتي بخير وهي المنشآت، والريح العقيم هي الدبور لأنها لا تلقح الشجر وتهدم البنيان وتقلع الأشجار، وهي مذمومة في القرآن العزيز، وفي الحديث "نصرت بالصبا،

وأهلكت عاد بالدبور" (?) وغيرها من الرياح محمود فكل موضع ذكرت الريح مفردة فالمراد به الدبور.

ومما يزيده بيانًا: أن الريح من الهواء، والهواء أحد العناصر الأربعة، التي بها قوام الحيوانات والنبات بتقدير الله وإجراء العادة بطبائعها، حتى لو قدر عدم الهواء لم يعش حيوان ولم ينبت نبات، ولا شبهة أن الريح عبارة عن اضطراب الهواء وتموجه في الجو، وأنه بحركته ومصادمته للأجسام ينميها أو يتخللها فيوصل إلى دواخلها من لطائفه ما يقوم بحاجتها إليه، فإذا كانت الريح واحدة جاءت من جهة واحدة، فصدمت الجسم الحيواني والنباتي من جانب واحد وبقي الجانب الآخر غير مصادم لنا وفي ذلك ضرر من وجهين:

أحدهما: أن مصادمة الريح إذا دامت على جانب واحد أثرث فيه أثرًا أكثر من حاجته إليه، وكان ذلك داعيًا إلى آفة تنزل به وميل إلى الجانب الآخر المقابل لهب الريح. وذلك مخالف للاعتدال.

والوجه الثاني: أن الجانب المقابل لعكس مهب الريح يفوته حظه من الهواء إذا لم يصادمه هواء كالجانب الآخر، فيكون داعيًا إلى فساد بعضه (?) عن نطره من الجانب المقابل لمهب الريح، وذلك بخلاف ما إذا كانت من جوانب الجسم الملاقى لها، فإن كل جانب يأخذ من الريح المصادمة له حظه ويمنع نزول آفة به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015