فلنعد إلى بيان أحكام الأنواء فيما يتعلق بالحديث، فنقول: إنه لما علم الشارع -صلوات الله عليه وسلامه- من عادات العرب في إضافة الخير والشر إليها أكبر ذلك وأعظم، فإن النعم والنقم من الله تعالى القادر العلم اللطف الخبير، وأما من جعل هذه الأشياء من أفعال الله تعالى.

وأراد بقوله: "مطرنا بنوء كذا" أي في وقت هذا النوء الذي يعرف به فإن ذلك جائز، فقد روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه أراد أن يستسقي فنادى العباس بن عبد المطلب: كم بقي من نوء الثريا؟.

فقال: إن العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعًا بعد وقوعها.

فما مضت تلك السبع حتى غيث الناس.

وأراد عمر: كم بقي من الوقت الذي قد جرت العادة؛ أنه إذا كَمُل أتى الله فيه المطر.

قال الشافعي (?) -رحمه الله- عقيب ذكره لهذا الحديث: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - -بأبي هو وأمي- عربي واسع اللسان يحتمل قوله هذا معاني، وإنما مطر بين ظهراني قوم أكثرهم مشركون, لأن هذا في غزوة الحديبية. قال: وأرى معنى قوله هذا -والله أعلم- أن من قال: "مطرنا بفضل الله ورحمته" فذلك إيمان بالله لا يعلم أنه لا يمطر ولا يعطي إلا الله -عز وجل-، وأما من قال: "مطرنا بنوء كذا" على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه أمطره نوء كذا، فذلك كفر كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً، ولا يمطر ولا يصنع شيئًا، فأما من قال: "مطرنا بنوء كذا" على معنى مطرنا في وقت نوء كذا؛ فإنما ذلك كقوله مطرنا في شهر كذا؛ فلا يكون هذا كفرًا، وغيره من الكلام أحب إلى منه، أحب أن يقول: مطرنا في وقت كذا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015