أهل الكتاب أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية أو يسلموا، وفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .... وذكر حديث بريدة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث جيشًا أمر عليهم أميرًا وقال: "إذا لقيت عدوا من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال" وقد تقدم الحديث بطوله في أوائل كتاب الجهاد.
وقال الشافعي -رضي الله عنه-: انتوت قبائل من العرب قبل أن يبعث الله -تعالى- محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وينزل عليه الفرقان، فدانت دين أهل الكتاب. ثم ساق الكلام إلى أن قال: فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الجزية من أكيدر دومة وهو رجل يقال: من غسان أو كندة، وأخذ من أهل ذمة اليمن وعامتها عرب، ومن أهل نجران وفيهم عرب، وفي هذا دليل على أن الجزية ليست على النسب إنما هو على الدين، وكان أهل الكتاب المشهور عند العامة: أهل التوراة من اليهود، والإنجيل من النصارى وكانوا من بني إسرائيل، وأحطنا بأن الله -تعالى- قد أنزل كتبًا غير التوراة والإنجيل والفرقان، قال الله -جل ثناؤه-: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ مُوسَى 36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} (?) فأخبر أن لإبراهيم صحفا، وقال: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} (?) قال: وأما عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ومن بعده من الخلفاء إلى اليوم؛ فقد أخذوا الجزية من بني تغلب وتنوخ وبهرا وهم إلى الساعة مقيمون على النصرانية؛ فضاف عليهم الصدقة وذلك جزية وإنما الجزية على الأديان لا على الأنساب، ولولا أن نأثم بتمني باطل وددنا أن الذي قال أبو يوسف كما قال، وأن لا يجرى الصغار على عربي، ولكن الله -تعالى- أجل في أعيننا من أن نحب غير ما قضى.
وقال في موضع آخر: فنحن كنا على هذا أحرص؛ لولا أن الحق في غير ما قال فلم يقل لنا أن نقول إلا بالحق.