ذلك بنفسه.
قال الشافعي -رضي الله عنه-: وأسلم هذا الأسير فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أسلم بلا نية، قال: "لو قلتها وأنت تملك نفسك أفلحت كل الفلاح"، وحقن بإسلامه دمه، ولم يخله بالإسلام إذ كان بعد أساره، وإذ فداه بعد إسلامه بالرجلين فقد أثبت عليه الرق بعد إسلامه.
قال: وهذا قول مجاهد، فإن سفيان أخبرنا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: إذا أسلم أهل العنوة فهم أحرار وأموالهم فيء للمسلمين، فتركنا هذا استدلالًا بالخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال: وإذ فداه برجلين من أصحابه؛ وإنما فداه بهما أنه فك الرق عنه بأن خلوا صاحبيه. وفي هذا دلالة على أن لا بأس أن يعطي المسلمون المشركين كل من يجري عليه الرق؛ وإن أسلم إذا كان لا يسترق، وهذا العقيلي لا يسترق لموضعه فيهم، فرده النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم وهي أرض كفر؛ لعلمه بأنهم لا يضرونه لقدره فيهم وشرفه عندهم.
وقال بعض العلماء: أنه لما يخله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أطلقه؛ ورده إلى دار الكفر بعد أن قال: إني مسلم، فإنه يتأول على أنه قد كان أطلعه الله -تعالى- على كذبه؛ وأعلم أنه تكلم بالإسلام على سبيل التقية دون الإخلاص، ألا تراه قال له: "هذه حاجتك" حين قال: إني جائع فأطعمني، وظمآن فاسقني، وليس هذا لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمتى قال الكافر: إني مسلم، قبل منه إسلامه ظاهرًا؛ ووكلت سريرته إلى الله -تعالى- لانقطاع الوحي؛ واستداد باب علم الغيب.
وقوله: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" يريد: أنك لو تكلمت بكلمة الإسلام طائعًا راغبًا فيه قبل الأسر؛ أفلحت في الدنيا بالإطلاق من الأسر؛ وأفلحت في الآخرة بالنجاة من النار، ومن جمع له فلاح الدنيا