الجارية على المهاجرين يشاركونهم فيها؛ ويلزمهم العمل بها؛ والمؤاخذة عليها؛ وأنهم والمهاجرون سواء في كل ما لهم وعليهم.

وفي ذلك تسلية لهم عند انتقالهم عن أوطانهم؛ وأنهم كانوا غرباء في دار الهجرة؛ وأنهم متأخرون عن السابقين، فإن الحكم جار لهم وعليهم مثل ما هو على المهاجرين، وإنهم إن اختاروا المقام بدارهم فإنهم لا يشاركون المهاجرين في فضيلتهم وثوابهم وحقهم، وإنما لهم حكم أمثالهم من أعراب المقيمين في البوادي الذين لم يتصفوا بصفة الهجرة ولا تحلوا بفضيلتها، وأنهم لا حق لهم في الغنائم -الفيء- إلا أن يجاهدوا في سبيل الله فيكون لهم نصيب من المغنم.

وبيان ذلك: أن المهاجرين كانوا من قبائل مختلفة، تركوا أوطانهم وأموالهم وهجروها في الله واختاروا المدينة دارًا ووطنًا, ولم يكن لهم أو لأكثرهم بها زرع ولا ضرع، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينفق عليهم بما أفاء الله عليه أيام حياته، ولم يكن للأعراب وسكان البادية في ذلك حظ إلا من قاتل مع المسلمين فيأخذ نصيبه من القيمة يرجع إلى وطنه، ولذلك كان عليهم ما على المهاجرين من الجهاد والنفير إلى لقاء العدو، وأى وقت دعوا لا يتخلفون، وكان الأعراب من أجاب منهم وحضر أخذ سهمه وعاد، ومن لم يجب لم يكن له سهم ولا عتب عليه في التخلف إذا كان في المجاهدين كفاية.

والجزية: فعلة من الجزاء كأنها جزاء عن إقرارهم على دينهم فترك قتلهم وأخذ مالهم.

وقوله: "عن يد وهم صاغرون" اليد: لا يخلو إما أن يراد بها يد المعطي، أو يد الآخذ. فإن أراد بها يد المعطي فالمعنى: عن يد منقادة غير ممتنعة، لأن من أبى وامتنع لم يعط يده.

وإن أريد بها الأخذ فالمعنى: عن يد قاهرة مستولية، أو عن إنعام عليهم لأن قبول الجزية منهم وترك أزواجهم لهم نعمة عليهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015