قوله: "عندي دينار" تفسير ما جاء في رواية أبي داود وهو: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالصدقة فقال رجل: عندي دينار أي أتصدق بدينار؟ فقال: "أنفقه على نفسك" لأن نفقته على نفسه أهم ما يجب عليه أن يقدمه بقوله - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث عدة: "بدأ بنفسك ثم بمن تعول"، فلما قال له: عندي آخر؟ أمره أن ينفقه على ولده، والآخر على زوجته، والآخر على خادمه, لأن هؤلاء تجب نفقتهم عليه، ولما كان الولد أهم عنده من الزوجة والخادم قدمه في الذكر، ولأن الإنسان ميله إلى ولده أكثر من غيره، ولأن الولد إنما تحب نفقته على أبيه إذا كان طفلًا وغير بالغ؛ أو هو عاجز عن الكسب بزمانة أو جنون، وعن ما يقوته وإذا ضيعه ولم ينفق عليه هلك لعدم من ينفق عليه، فالرحمة له أكثر والشفقة عليه أوفر، بخلاف الزوجة والخادم فإنهما أقدر من الولد الصغير والعاجز، ولأن نفقة الولد إذا فأتت سقطت بخلاف الزوجة فإنها لا تسقط ولها المطالبة بها, ولأنها إذا لم ينفق عليها وفرق بينهما كان لها من ينفق عليها من ذي رحم أو زوج تستجده.

وأما الخادم: فإنه بعرضة الكسب والقدرة على الطلب، فلذلك قدم الزوجة عليه وأخره، ولأنها عاجزة بتعلقها بزوجها ومنعه إياها, ولأنه يبايع عليه إذا عجز عن نفقته فتكون نفقته على من يبتاعه.

وقوله: "أنت أعلم، وأنت أبصر" أي أعلم وأبصر بشأنك وبإخراج مالك في أبواب البر فإن شئت تصدقت وإن شئت أمسكت.

وكلام أبي هريرة في آخر الحديث فيه بيان لما ذكرناه من معنى الترتيب.

والذي ذهب إليه الشافعي: أن النفقة تستحق بثلاثة أسباب:-

بالزوجية، والقرابة، وملك اليمين، هذه الثلاثة مذكورة في هذا الحديث، ثم بين الأئمة اختلاف في فرع هذه الأصول الثلاثة مع اجتماعهم على وجوبها لهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015