ثمانين رجلاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار تصدقوا بصدقات محرمات موقوفات، وقد وَرِثَ كل من سميناه ورثةٌ فيهم: المرأة العربية الحريصة على أخذ حقها من تلك الأموال، وعلى بعض ورثتهم الديون التي يطلب أهلها أموالَ من عليه ديونهم ليبلغ له في حقه، وفيهم من يحب بيع ماله في الحاجة، ويحب بيعه لينفرد بمال لنفسه، ويحب قسمه، فأنفذ الحاكم ما صنع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، ومنعوا من طلب قسم أصولها أو بيعها من ذلك بكل وجه.
وقال الشافعي: لما سأل عمرُ بن الخطاب رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن ماله، فأمره أن يحبس أصله ويُسَبِّل ثمره؛ دل ذلك على إجازة الحبس، وعلى أن عمر كان يلي حبس صدقته، ويصدق ثمرها، بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يليها غيره، قال: أفيحتمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حبس أصلها وسبل الثمرة" اشتراط ذلك؟ [قلت: نعم] (?) والمعنى الأول أظهرهما، وعليه من الخبر دلالة أخرى، وهي: إذا كان عمر لا يعرف وجه الحبس؛ أَفَيُعَلِّمه: "حَبِّس الأصل وسَبِّل الثمرة" ويدع أن يعلمه أن يخرجها من يديه إلى من يليها عليه ولمن حبسها عليه؟ لأنها لو كانت لا تتم إلا بذلك كان هذا أولى أن يعلمه إياه.
قال الشافعي: ولم يزل عمر بن الخطاب [المتصدق] (?) بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يلي -فيما بلغنا- صدقته حتى قبضه الله، ولم يزل علي بن أبي طالب يلي صدقته بينبع حتى لقي الله، ولم تزل فاطمة تلي صدقتها حتى لقيت الله تعالى، وأخبرنا بذلك أهل العلم من ولد علي وفاطمة وعمر -رضي الله عنهم- ومواليهم، ولقد حفظت الصدقات عن عدد كثير من المهاجرين والأنصار، ولقد حُكي لي عن عدد كثير من أولادهم وأهليهم أنهم لم يزالوا يلون صدقاتهم حتى ماتوا،