وقد أدخل الحمى خيل الغزاة في سبيل الله وإبل الضوال، وما فضل عن سهمان أهل الصدقة، ومن ضعف عن النجعة ممن قلّ ماله، وكل هذا وجه عام النفع للمسلمين، ثم ذكر ما أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي -رضي الله عنه-: أخبرني محمد بن علي بن شافع، عن الثقة -أحسبه محمد بن علي بن حسين أو غيره- عن مولى لعثمان بن عفان قال: "بينا أنا مع عثمان في ماله بالعالية في يوم صائف؛ إذ رأى رجلاً يسوق بكرين وعلى الأرض مثل الفراش من الحر، فقال: ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح؟! ثم دنا الرجل، فقال: انظر من هذا؟ فقلت: أرى رجلاً معمرًا بردائه يسوق بكرين، ثم دنا الرجل فنظرتُ فإذا عمر بن الخطاب، فقلت: هذا أمير المؤمنين.

فقام عثمان، فأخرج رأسه من الباب فآذاه لفح السموم، فأعاد رأسه حتى حاذاه، فقال: ما أخرجك هذه الساعة؟! فقال: بكران من إبل الصدقة تخلفا وقد مُضي بإبل الصدقة، فأردت أن ألحقهما بالحمى، وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما.

فقال عثمان: يا أمير المؤمنين، هلم إلى الماء والظل ونكفيك. فقال: عُد إلى ظلك. فقلت: عندنا من يكفيك. فقال: عُد إلى ظلك. فمضى، فقال عثمان: من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا. فعاد إلينا فألقى نفسه".

"العالية": موضع بأعالي أراضي المدينة، وجمعه العوالي، وفيها أموال ونخيل لأهل المدينة، وقريب منها على عدة أميال.

و"اليوم الصائف": الشديد الحر.

و"البكر": الفَتِيُّ من الإبل.

و"الفراش" معروف، ويصف شدة الحر حتى يتبين للناظر فراشًا يتطاير على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015