تعالى وأثنى عليهم، فقال عز من قائل: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ} (?) فلو لم يكن له تأويل خفي على من لم يتصف بصفاتهم؛ لما مدحهم الله بمعرفته وعلمه، وهؤلاء هم.

القسم الثالث: تدبروا ما جاء في هذه الآيات والأحاديث، مما لم يحله العقل والشرع ولا دل على خلافه دليل ثابت، أجروه على ما جاء عليه حيث لم يفض إلى مستحيل، ولا اقتضى شيئًا تنكره العقول، وما لم يكن بهذا الحال أولوه بضرب من التأويل يحتمله إطلاق اللغة والشرع معًا ولم يخرجوه عن مدلولها، فجمعوا بين دليلي العقل والشرع و [نرها] (?) في النظر والسمع، فلنرجع إلى تأويل هذا الحديث وهو اليد فنقول: اليد تطلق في اللغة: على الجارحة، والنعمة، والقوة، والقدرة، والملك، والسلطان، والطاعة، والجماعة، والغياث، ومنع الظلم، والقهر، والإحسان, والذلة، والاستسلام، والنقد ضد النسيئة، وهذه المعاني جميعها واردة في العربية كثيرة الإطلاق، ولولا الإطالة لذكرنا أمثلة صحيحة واستشهادات ثابتة من القرءان العزيز، والحديث، والشعر، والكلام الفصيح.

فإذا تدبرنا قوله: "فكأنما يضعها في يد الرحمن" وعرضنا لفظ اليد على هذه المسميات المذكورة، رأينا أحسن ما يناسبها وأشبهها بها بعد امتناعها من إطلاقها على الجارحة، أن يضاف إلى يد القدرة والنعمة فيستعار للنعمة والقدرة، ويضاف وضع الصدقة إليها، أي كأنما يضعها في يد قدرته وسلطانه ونعمته ولطفه ورأفته، ألا ترى كيف أضاف اليد إلى الرحمن مرتين من بين أسمائه الحسنى على كثرتها، إيذانا باللطف والرأفة والرحمة، ولم يقل: في يد الجبار، ولا يد القهار، ولا غير ذلك من باقي الأسماء التي ليس فيها ما في الرحمن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015