المحاربة مع البقاء على كفره فهي توبة مقبولة داخلة تحت عموم الآية وأما إذا أسلم فالإسلام يجب ما قبله.
وأما قوله: "لا بعده فلا عفو" فهو كلام صحيح لما عرفناك فيما سبق من دفع ما قاله المصنف أن للإمام إسقاط الحدود وتأخيرها لمصلحة فقد أصاب هنا ولم يصب هنالك.
وأما قوله: "ويخير في المراسل" فمناف لما يدل عليه قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} إذ لم يكن في هذه الآية إلا اعتبار مجرد حصول التوبة سواء كانت مع الوصول إلى الإمام أو لمجرد المراسلة.
[فصل
والقتل حد الحربي والمرتد بأي وجه كفر بعد استتابة ثلاثا فأبى والمحارب مطلقا والديوث والساحر بعد الاستتابة لا المعترف بالتمويه وبالإمام تأديبه] .
قوله: "فصل: والقتل حد الحربى".
أقول: هذا ثابت بالضرورة الدينية والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جدا ولا حاجة إلى بيان ما هو من ضروريات الدين وأجمع عليه جميع المسلمين وما قيل أن القتل لا يقال له حد لأنه المنع عن المعصية فيجاب عنه بأن في القتل للعاصي المنع التام له من معاودة المعاصي أيضا وأيضا قد قال صلى الله عليه وسلم: "حد الساحر ضربة بالسيف"، كما أخرجه الترمذي "1460"، وغيره.
قوله: "والمرتد".
أقول: قتل المرتد عن الإسلام متفق عليه في الجملة وإن اختلفوا في تفاصيله والأدلة الدالة عليه أكثر من أن تحصر لو لم يكن منها إلا حديث: "من بدل دينه فاقتلوه"، وهو في الصحيح [البخاري "6/149"] ، وحديث: "لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث"، وهو كذلك في الصحيح [البخاري "12/201] ، ولا فرق بين المرتدين من الرجال والنساء وما ورد في النهي عن قتل النساء فذلك في نساء الكفار الباقيات على الكفر وأما النساء المسلمات إذا وقعت منهن الردة فقد فعلن بالخروج من الإسلام سببا من أسباب القتل فبين الكفارة الأصلية والمرأة المسلمة المرتدة عن الإسلام في الكفر فرق أوضح من كل واضح فلا يحتاج إلى الكلام على تعارض الأدلة الواردة في قتل المرتدين على العموم والأدلة الواردة في قتل النساء الكافرات على العموم بل يقر كل منهما في موضعه.
وأما قوله: "بأي وجه كفر" فقد أراد المصنف إدخال كفار التأويل اصطلاحا في مسمى الردة وهذه زلة قدم يقال عندها لليدين وللفم وعثرة لا تقال وهفوة لا تغتفر ولو صح هذه لكان غالب من على ظهر البسيطة من المسلمين مرتدين لأن أهل المذاهب الأربعة أشعرية وما تريدية