حديث عبد الله ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب"، وأخرجه أيضا الحاكم وصححه قال ابن حجر في الفتح وسنده إلى عمرو بن شعيب صحيح.

وأخرج مالك ف الموطأ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال إن الزبير بن العوام لقي رجلا قد أخذ سارقا وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان فشفع له الزبير ليرسله فقال لا حتى أبلغ به السلطان فقال الزبير إذا بلغت به السلطان فلعن الله الشافع والمشفع وقد تقدم في حديث المخزومية الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسامة: "أتشفع في حد من حدود الله؟ "، وفي لفظ: "لا أراك تشفع في حد من حدود الله"، وتقدم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لصفوان في السارق الذي سرق رداءه: "هلا كان قبل أن تأتيني به".

وأما كونه يسقط عن السارق بتملكه للمسروق قبل الرفع ففي كون كون هذا شبهة يسقط بها لحد نظر لأن السرقة الموجبة للحد قد وقعت وهو في غير ملكه فلا يؤثر تملكه له من بعد.

قوله: "وبنقص قيمة المسروق عن عشرة".

أقول: إذا نقص قيمة المسروق على النصاب المعتبر على حسب ما قررناه سابقا فالحد لم يجب من الأصل حتى يقال إنه يسقط بذلك ففي العبارة تسامح وأما كونه يسقط بمجرد الدعوى أنه له وإن لم تصح الدعوى ففي كون هذه الدعوى الباطلة شبهة نظر وقد تقدم أنه لا بد أن تكون الشبهة محتملة.

قوله: "ولا يغرم بعده التالف".

أقول: الوجه في هذا أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الخلفاء الراشدين أنه أمر السارق بضمان ما سرقه بعد قطعه وهذا يكفي في الاستدلال وأما حديث عبد الرحمن بن عوف عند النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحد"، فقد بين النسائي "4984"، بعد إخراجه له أنه منقطع وقال أبو حاتم إنه منكر وقال ابن عبد البر لا تقوم به حجة.

وأما كونه يسترد الباقي في يده أو يد غيره بغير عوض فوجهه أنه باق على ملك مالكه لم يتحول بالسرقة عنه فله أن يرجع بالعين على من هي في يده أو على السارق ويجب على السارق أن يسترجع تلك العين ولو بعوض لا كما قال المصنف وقد قام الدليل على ذلك كما أخرجه النسائي من حديث أسيد بن حضير أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في السرقة إذا وجدها ربها مع غير المتهم أنه إن شاء وأخذها منه بما اشتراها وإن شاء اتبع سارقه وقضى بذلك أبو بكر وعمر وأما رد هذا الحديث لدعوى كونه مشكلا فمن أغرب ما يقرع الأسماع فالأحكام النبوية هي الحجة على العباد {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] ، وإذا خالفها مجتهد برأيه فرأيه رد عليه مضروب به وجهه ولكن التجري على رد السنن يفعل بصاحبه مثل هذا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015