كان مائعا فلا تقربوه"، فتعين حمل رواية ميمونة على السمن الجامد ودلت الرواية الأخرى منه وكذلك حديث أبي هريرة على أنه لا يحل قربانه إذا كان مائعا وهو معنى التحريم فما قاله المصنف هو مدلول ما ذكرناه من الحديثين ولم يعارض ذلك شيء تقوم به الحجة.
قوله: "والمسكر إن قل".
أقول: قد ثبت تحريم الخمر بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين أولهم وآخرهم لم يخالف في ذلك أحد منهم وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة الثابت ثبوتا متواترا أنه قال: "كل مسكر خمر وكل خمر حرام"، [مسلم "74/2003"، أب داود "3679"، الترمذي "1861"، النسائي "5582"] ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث أنه قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام"، [أحمد "2*91"، ابن ماجة "3392"] ، فحصل على مجموع الأدلة أن كل مسكر من أي نوع خمر وتحريم الخمر ثابت بالضرورة الدينية وأن ما سكر كثيره فقليله حرام فلا يحل نوع من أنواع المسكر قليلا كان أو كثيرا وأما النبيذ فلا دخل له في الكلام على تحريم الخمر فإن الاتفاق كائن على أنه إذا أسكر كان حراما وأن الذي وقع فيه الخلاف منه هو ما ليس بمسكر والمسألة طويلة الذيول كثيرة النقول واسعة الأطراف رحبة الأكناف وقد أوضحنا الكلام فيها في شرحنا للمنتقى فمن أحب الوقوف على حقيقة الحال فليرجع إليه.
وأما قوله: "إلا لعطش متلف" فللضرورة حكمها لا سيما إذا بلغت إلى حد خشية التلف وقد أباح الله للمضطر في كتابه العزيز ما حرمه على غيره واستثنى حالة الاضطرار للمضطرين فذلك حال مخالف لغيره من الأحوال وهكذا المكره فإنه سبحانه قد رفع عنه الخطاب كما قدمنا من الأدلة.
قوله: "والتداوي بالنجس".
أقول: ما حرم الله سبحانه فهو حرام في جميع أحواله ومن ادعى أنه يحل في حالة خاصة وهي حالة التداوي احتاج إلى دليل بخصوص هذا العموم وإلا فعموم الأدلة يرد عليه قوله ويدفع دعواه وهكذا النجس يحرم التلوث به وملابسته في جميع الأحوال فمن ادعى أنه يجوز في حالة التداوي فعليه الدليل المخصص لهذا العموم وإلا كان قوله ردا عليه.
وإذا تقرر لك هذا علمت أن المدعي بجواز التداوي بالحرام والنجس هو المطالب بالدليل لا المانع من ذلك فإن مجرد قيامه مقام المنع يغنيه حتى يزحزحه الدليل فلا يطالب لشيء في قواعد المناظرة لأنه قائم مقام المنع ومتمسك بالأدلة العامة الشاملة لمحل النزاع.
ومع هذا فقد ورد الدليل الدال على المنع من التداوي بالحرام فأخرج أبو داود من حديث أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام"، وما قيل من أن في إسناده إسماعيل بن عياش فهو إنما يضعف في روايته عن الحجازيين لا في روايته عن الشاميين وهو هنا روى هذا الحديث عن ثعلبة بن مسلم الخثعمي وهو شامي ثقة.