ويؤيده ما أخرجه مسلم وأحمد "2/305"، والترمذي "2045"، وابن ماجه "2459"، من حديث أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث ومعلوم أن الحرام خبيث وأن النجس خبيث.
وثبت عند مسلم "12/1984"، وأحمد "4/317"، وأبي داود "3873"، والترمذي "2046"، وصححه من حديث وائل بن حجر أن طارق بن سويد سأل النبي صلى الله عليه وسلم على الخير فنهاه عنها فقال إنما أصنعها للدواء فقال: "إنه ليس بدواء ولكنه داء".
ولا يعارض هذه الأدلة إذنه صلى الله عليه وسلم للعرنين أن يشربوا من أبوال الإبل للتداوي بها فإن الخلاف في كونها نجسة أو محرمة معروف مقرر في مواطنه وعلى تقدير أنها نجسة أو محرمة فينبغي بناء العام على الخاص فيكون حديث العرنين مخصصا لتلك الأدلة العامة ولما ذكرناه بعدها.
قوله: "وتمكينه غير المكلف"
أقول: هذا نبأ وغريب وتكليف عجيب لا يرجع إلى عقل ولا نقل ولا رواية ولا دراية ولم نسمع من أيام النبوة إلى هذه الغاية أن منكرا أنكر على من ألقى إلى الكلاب الميتة التي نحرت من دوابه ولا روي عن فرد من أفراد المسلمين أنه تورع في ذلك فأي معروف في مثل هذا؟ وأي منكر يكون من غير بني آدم حتى يجب علينا أن نحول بينه وبينه فإنه لا خلاف أن هذه التكاليف الشرعية إنما هي على بني آدم وليس من تكليفهم أن يمنعوا من لا تكليف عليه مما لم يكلف به نعم علينا إذا رأينا سبعا قد صال على إنسان وعلى ماله أن ندفع عنه ذلك الصائل بحسب الإمكان ولكن دفعه ليس إلا الاحترام مال الآدمي ودمه كإنقاذ الغريق فما لنا والتحريم تمكينه من الميتة ونحوها.
وأما قوله: "وبيعه" فوجهه الحديث الصحيح الذي تقدم في البيع إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه وهكذا قوله والانتفاع به لأن الملابسة للنجس غير جائزة على كل حال فلا بد أن يحمل قوله إلا في الاستهلاك على عدم المباشرة والتلوث وإلا فذاك حرام على كل حال.
فإن قلت: قد أذن صلى الله عليه وسلم كما صح عنه في الانتفاغ بإهاب شاة ميمونة التي ماتت وقال لهم هلا انتفعتم بإهابها وقالوا: يا رسول الله إنها ميتة؟ قال: "أليس في القرظ ما يطهرها"، فقوله: "أليس في القرظ ما يطهرها"، يعني الذبح كما في حديث: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" يدل على أن الإهاب كان عند سلخه من الميتة نجسا وكذلك بعد سلخه ومعالجته بالدبغ هي من المباشرة للنجس لأنه لا يطهر حتى يصير مدبوغا فقد وقعت ها هنا المباشرة للنجس والملابسة له.
قلت: يكون هذا خاصا بمثل هذه المنفعة فلا يجوز قربان شيء من النجس إلا ما أذن به الشرع على أنه قد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما حرم من الميتة أكلها"، [البخاري