الصحيحين [البخاري "2236"، مسلم "1581"، وغيرهما [أحمد "3/324، 326"، أبو داود "3486"، الترمذي "1297"، النسائي "7/309، 310"، ابن ماجة "2167"] ، من حديث جابر قال إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام"، فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس, فقال: "لا هو حرام"، فصرح صلى الله عليه وسلم بأن بيع ذلك حرام مع بيانهم لوجوه الانتفاع به ثم قال بعد ذلك: "قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه" وأخرج أحمد وأبو دأود بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه"، فصرح صلى الله عليه وسلم بأن الحرمة مانعة من البيع والتحريم كما يكون في أعيان الأشياء يكون أيضا في منافعها ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا القينات المغنيات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام"، فجعل صلى الله عليه وسلم ثمنهن حرأما لأن الغالب أنهن لا يبعن إلا للغناء مع كون الانتفاع بهن في غيره ممكنا كالوطئ والخدمة أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة وقال غريب انتهى ولكن له شواهد تقويه.

فالحاصل أنه إذا كان الغالب في الانتفاع بالمبيع هو المنفعة المحرمة فلا يجوز بيعه وكانت هذه الغلبة توجب حصول الظن للبائع بأن المشتري ما أراد بشرائه لتلك العين إلا تلك المنفعة المحرمة وأما إذا لم تكن ثم غلبة فالأمر كما قدمنا ومن هذا بيع العنب والتمر إلي من يغلب على الظن أنه يتخذه خمرا وبيع آلات الملاهي إلي من يلهو بها فإن ذلك غير جائز لأن تلك المنفعة حرام وكل حرام يحرم بيعه والمنفعة هى المقصودة لا مجرد العين من غير نظر إلي وجه من وجوه الانتفاع بها فما كان للمصنف أن يقول ولو إلي مستعمله فإن البيع إليه مع العلم والظن بأنه يستعمله في معصية لا يجوز لما تقدم بل يحرم مثلا بيع الحمار الأهلي إذا علم البائع أو ظن أن المشتري اشتراه ليأكله لأن هذا البيع وسيلة إلي الحرام وذريعة إلي ما لا يحل ووسائل الحرام حرام وقد أخرج الطبراني والبيهقي من طريق محمد بن أحمد بن أبي خيثمة عن بريدة مرفوعا: "من حبس العنب آيام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو من نصراني أو ممن يتخذه خمرا فقد تقحم النار على بصيرة" زاد البيهقي: "أو ممن يعلم أنه يتخذه خمرا" وحسنه ابن حجر في بلوغ المرام.

قوله: "أو واجب كالمصحف".

أقول: المصحف هو آكد لتلأوة القرآن وأما تعلم ما يجب على الإنسان تعلمه فلا دخل للمصحف في ذلك لأنه يتعلمه من المعلم كالفاتحة وسورة فإن العامي لو أخذ المصحف وأراد أن يتعلم ذلك لم يدر ما يقول حتى يتعلم ذلك مشافهة وأما ما روي عن بعض السلف من المنع عن بيع المصحف فليس عليه أثاره من علم وأي شراء أطيب من شراء من يستعمل تلك العين المشتراة في طاعة الله سبحانه كالمجاهد يشتري السيف ليقاتل به الكفار ويجاهد به في سبيل الله ومعلوم أن الجهاد أعظم فرائض الإسلام فلو كان بيع الشيء الذي يستعمله مشتريه في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015