وأما قوله: "لا بالمال" فهذا مدفوع بما وقع منه صلى الله عليه وسلم في يوم بدر من أخذا لفداء من أسراء المشركين وهو أيضا مدفوع بالقرآن {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] ، ولا يعارضه قوله عزوجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] ، فإن غاية ما في هذه الآية تقديم الإثخان على الفداء وليس فيها أنه لا يجوز الفداء.
وأما قوله: "ويجوز رد الجسد مجانا" فلا وجه للتقييد بقوله مجانا لأن أموال الكفار يجوز التسلف لها بكل ممكن وليس هذا من باب المبايعة حتى تدخل في بيع الميتة وبيع النجس.
قوله: "ويكره حمل الرؤوس".
أقول: إذا كان في حملها تقوية لقلوب المسلمين أو إضعاف لشوكة الكافرين فلا مانع من ذلك بل هو فعل حسن وتدبير صحيح ولا وجه للتعليل بكونها نجسة فإن ذلك ممكن بدون التلوث بها والمباشرة لها ولا يتوقف جواز هذا على ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن تقوية جيش الإسلام وترهيب جيش الكفار مقصد من مقاصد الشرع ومطلب من مطالبه لا شك في ذلك وقد وقع في حمل الرؤوس في أيام الصحابة وأما ما روي من حملها في أيام النبوة فلم يثبت شيء من ذلك.
قوله: "وتحرم المثلة".
أقول: الأحاديث في النهي عنها كثيرة جدا وقد قدمنا طرفا من ذلك وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي من يبعثه من جيوش المسلمين للجهاد بالوصايا المشهورة ومنها أن لا تمثلوا.
وأما قوله: "قيل: ويحرم رد الأسير حربيا" فلا وجه له فقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرى بدر وهم باقون على كفرهم وقد خير الله عباده بين المن والفداء كما في قوله: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] ، ومقتضى جواز أخذ الفداء أن يرجعوا على دينهم الذي كانوا عليه لأنهم لو أسلموا لم يؤخذ منهم الفداء بل يجوز للإمام أن يرد الأسير حربيا بدون فداء إذا رأى في ذلك صلاحا وهو مقتضى التخيير بين المن والفداء فإن المن هو أن يمن عليه بفك أسره وإرجاعه إلى قومه إلى ما كان عليه وقد وقع ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم في غير موطن.
[فصل
ويصح تأبيد صلح العجمي والكتابي بالجزية ولا يردون حربيين ويلزمون زيا يتميزون به فيه صغار من زنار ولبس غيار وجز وسط الناجية ولا يركبون على الأكف إلا عرضا ولا يظهرون شعارهم إلا في الكنائس ولا يحدثون بيعة ولهم تجد يد ما