خرب ولا يسكنون في غير خططهم إلا بإذن المسلمين لمصلحة ولا يظهرون الصلبان في أعيادهم إلا في البيع ولا يركبون الخيل ولا يرفعون دورهم على دور المسلمين ويبيعون رقا مسلما شروه ويعتق بإدخالهم إياه دار الحرب قهرا] .
قوله: "فصل: ويصح تأبيد صلح العجمي والكتابي بالجزية".
أقول: ظاهر الأدلة يقتضي أن بذل الجزية من أي كافر يوجب الكف عن مقاتلته وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث الأمراء من أصحابه بالجيش على الطوائف المختلفة فيذكر في جملة ما يوصيهم به أنهم إذا بذلوا الجزية قبل منهم ذلك كما في حديث بريدة عند مسلم وغيره قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر أميرا على جيش أو سرية ثم ذكر فيه: "فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم"، فإن قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا امر أميرا على جيش أو سرية يدل عى أن هذا كان شأنه في كل جيش يبعثه ولا ينافي هذا قوله تعالى في أهل الكتاب: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] ، فإن أهل الكتاب هم نوع من أنواع الكفار الذين يجب الكف عن قتالهم إذا أعطوا الجزية ولا ينافي ذلك أيضا ما ورد من الأمر بقتال المشركين في آية السيف وغيرها فإن قتالهم واجب إلا أن يعطوا الجزية فإنه يجب الكف عنهم كما يجب الكف عنهم إذا أسلموا ولا ينافي هذا التعميم ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من الأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب لأن غايته أنها لا تجوز مصالحتهم بالجزية في جزيرة العرب وذلك لا ينافي جواز المصالحة لهم بضرب الجزية عليهم إذا كانوا في غير جزيرة العرب.
والحاصل أن من ادعى أن طائفة من طوائف الكفار لا يجوز ضرب الجزية عليهم بل يخيرون بين الإسلام والسيف فعليه الدليل ولا دليل تقوم به الحجة إلا ما ورد في المرتد كما قدمنا وكما سيأتي إن شاء الله.
وأما قوله: "ولا يردون حربيين" فقد تقدم قريبا أن التخيير بين المن والفداء يفيد أنه يجوز ردهم حربيين بعد المن عليهم أو بعد أخذ الفداء منهم ولم يرد ما يدل على المنع من هذا وغاية ما هنا أنهم عند تسليم الجزية في أمان أهل الإسلام بتسليم ما يستحقون به عصمة دمائهم وأموالهم وهو الجزية وقد تقدم أن المؤمن يرد إلى مأمنه فإذا أراد الإمام ردهم إلى دار الحرب كان له ذلك لمصلحة يراها كما كان له أن يرد الأسرى حربيين.
قوله: "ويلزمون زيا يتميزون به فيه صغار" الخ.
أقول: وجهه أن الله سبحانه قد قال في كتابه: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] ، فهذه الجملة الحالية قد أفادت أنه ينزل بهم ما فيه صفار في ملبوسهم وبيوتهم ومركوبهم ونحو ذلك من شؤونهم ويمنعون مما يخالف الصغار وهو التشبه بالمسلمين في ملبوسهم وبيوتهم ومركوبهم ونحو ذلك وقد أخذ عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه عهدا ذكر فيه ما يعتمدون عليه في حالهم ومالهم وكنائسهم ومن جملته أنهم لا يتشبهون بالمسلمين في ملبوساتهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر وفيه أنهم يجزون