وبما ذكرناه تعرف أنه لا وجه لقول المصنف إن تعذر السيف ومن جملة ما لا يجوز أن يكون القتل به المثلة لثبوت النهي عنها في الأحاديث الكثيرة فيكون ذلك مخصصا لأدلة قتل المشركين على كل حال وبكل سبب من أسباب القتل وأما حديث: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة" فالمراد بالإحسان ترك التعذيب وتعجيل ما يحصل به الموت وليس ذلك مختصا بقتل السيف.
وأما قوله: "وخلوا عمن لا يقتل" فوجهه ما تقدم من النهي عن قتلهم فإذا لم تدع الضرورة إلى ما يعم من يجوز قتله ومن لا يجوز قتله كان الواجب اجتناب قتل من لا يجوز قتله وترك السبب الذي لا يمكن فيه تخصيص من يجوز قتله ومن لا يجوز كالرمي بالمنجنيق والمدافع وما يشابه ذلك وقد قدمنا ما يدل على جواز تبييت الكفار وهو سبب يعم من يجوز قتله ومن لا يجوز قتله وبهذا تعرف صحة قول المصنف من التقييد بقوله إلا للضرو.
قوله: "ويستعين بالعبيد للضرورة".
أقول: إذا دعت الحاجة إلى الاستعانة بهم وجب على المالكين لهم أن يأذنوا لهم بذلك ولا يجوز لهم أن يمتنعوا من الإذن فإن العبيد من جملة أموال المسلمين وقد تقدم في الاستعانة من خالص المال ما تقدم وليس للإمام أن يستعين بهم من غير إذن المالكين لهم وعلى هذا يحمل رد من رده رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم.
وأما قوله: "ولا ضمان عليه" فظاهر وقوله: "لا غيرهم من الأموال" فقد أغنى عنه ما تقدم في الاستعانة بخالص المال بتلك الشروط.
قوله: "وترد النساء مع الغنية".
أقول: أخرج البخاري "6/80"، وغيره أحمد "6/358"، من حديث الربيع بنت معوذ قال كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة وأخرج مسلم "142/1812"، وغيره ابن ماجة "2856"، من حديث أم عطية الأنصارية قالت: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على الزمني وأخرج مسلم أيضا وغيره عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى.
فهذه الأحاديث تدل على جواز خروجهن مع الغزاة لا سيما إذا كان لهن حاجة في ذلك ولا ينافي هذا ما أخرجه البخاري وغيره من حديث عائشة أنها قالت: قلت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: "لكن أفضل الجهاد حج مبرور" فإنه إنما يدل على أن أفصل الجهاد الحج المبرور وهو غير محل النزاع.