مسلما وخشي استئصال المسلمين لمخالطة الكفار لهم بالقتال وملاحمتهم لهم فلا شك أن قتل واحد أو جماعة أهون من استئصال جيش المسلمين وإدخال الوهن على كل مسلم في الأقطار الإسلامية فهذا أهون من دفع المفسدة الكبيرة بمفسدة صغيرة وفي الشر خيار ولكن لا يكتفى في ذلك بمجرد الظنون الكاذبة والخيالات المختلة فإن خطر قتل المسلم عظيم بل لا بد أن يكون خشية الاستئصال مما تتفق عليه عقول أهل الرأي والتجارب.
وأما لزوم الدية فوجهه واضح لأن المقتول مسلم لا يهدر دمه وهكذا لزوم الكفارة على ما قد مر تحقيقه في موطنه.
قوله: "ولا يقتل ذو رحم رحمه".
أقول: الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة قد دلت دلالة أوضح من الشمس على قتل المشركين ولم يثبت في المنع من قتل ذي الرحم لرحمه ما تثبت به الحجة قط حتى يصلح لتخصيص الأدلة الصحيحة ومع هذا فهو معارض بمثله فيجب الرجوع إلى ما ثبت في القرآن والسنة فاعرف هذا فليس ها هنا ما يوجب التخصيص ولا التقييد.
[فصل
ويحرق ويغرق ويخنق أن تعذر السيف وخلوا عمن لا يقتل وإلا فلا إلا للضرورة ويستعين بالعبيد للضرورة ولا ضمان عليه لا غيرهم من الأموال فيضمن وترد النساء مع الغنية] .
قوله: "فصل ويحرق إلخ".
أقول: قد أمر الله بقتل المشركين ولم يعين لنا الصفة التي يكون عليها ولا أخذ علينا أن لا نفعل إلا كذا دون كذا فلا مانع من قتلهم بكل سبب للقتل من رمي أو طعن أو تغريق أو هدم أو دفع من شاهق أو نحو ذلك ولم يرد المنع إلا من التحريق فقد ثبت في صحيح البخاري ["6/149"، وغيره أبو داود "2674"، الترمذي "1571"، أحمد "2/307، 338، 453"،] ، من حديث أبي هريرة قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: "إن وجدتم فلانا وفلانا - لرجلين - فأحرقوهما بالنار"، ثم قال حين أردنا الخروج: "إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما"، فهذا الحديث قد دل على منع التحريق على كل حال فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعد الأمر بإحراق رجلين مشركين قد بالغا في الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم واستحقا القتل ثم علل ذلك بهذه العلة التي تفيد أنه لا يجوز التحريق بالنار لأحد من عباد الله سواء كان مشركا أو غير مشرك وإن بلغ في العصيان والتمرد على الله أي مبلغ فما وقع من بعض الصحابة محمول على أنه لم يبلغه الدليل.