الحرب ثابت القدم عند ملاحمة القتال قوي القلب واسع الصدر حسن التدبير خبيرا بالكيفية التي يكون بها رجاء انتصار الجيش يقدم إذا وجد الإقدام مغنما يحجم إذا رأى الإحجام حزما وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبعث سرية قليلة ولا كثيرة إلا وجعل عليها أميرا كما هو معلوم من كتب الحديث والسير.
وأما قوله: "ولو فاسقا" فإن اقتضت ذلك الضرورة ودفعت إليه الحاجة فلا بأس ويأخذ عليه الإمام ما يخشى على الجيش من جهة فسقه ويأخذ على الجيش أن لا يطيعوه في معصية الله وفي الصحيحين [البخاري "8/58"، مسلم "1840"، وغيرهما أبو داود "2625"، النسائي "4205"، أحمد "1/82، 94، 124"] ، من حديث علي قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له وييطعوا فأغضبوه في شيء فقال: اجمعوا لي حطبا، فجمعوا ثم قال: أوقدوا نارا، فأوقدوا ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى قال: فادخلوها, فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار, فكانوا كذلك حتى سكن غضبه وطفئت النار فلما رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له فقال: "لو دخلوها لم يخرجوا منها أبدا"، وقال: "لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف".
قوله: "وتقديم دعاء الكفار إلى الإسلام".
أقول: كان على المصنف أن يزيد على هذا فيذكر أنهم إذا أبوا دعاهم إلى الجزية والأحاديث الواردة في توصيته صلى الله عليه وسلم لأمراء الجيش أن يقدموا الدعوة على الحرب كثيرة جدا حتى أخرج أحمد "1/231، 236"، وأبو يعلى والحاكم والطبراني بإسناد رجاله رجال الصحيح من حديث ابن عباس قال: ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما قط إلا دعاهم وأخرج أحمد وأبو داود "3988"، والترمذي "3222"، وحسنه من حديث فروة ابن مسيك قال: قلت: يا رسول الله أقاتل بمقبل قومي ومدبرهم؟ قال: "نعم"، فلما وليت دعاني فقال: "لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإسلام".
وإذا رأى الإمام في ترك الدعوة صلاحا فعل فقد ثبت في الصحيحين [البخاري "2541"، مسلم "1/1730"، وغيرهما أبو داود "2633"] ، من طريق نافع لما كتب إليه ابن عون يسأله عن الدعاء قبل القتال فكتب إليه إنما كان ذلك في أول الإسلام وقد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وأصاب يومئذ جويرية ابنة الحارث ثم قال نافع حدثني به عبد الله بن عمر وكان في ذلك الجيش وأخرج البخاري "4038، 4039، 4040"، وغيره عن البراء بن عازب قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع فدخل عبد الله بن عتيك بيته ليلا فقتله وهو نائم وفي الصحيحين [البخاري "3012"، مسلم "26/1745"، وغيرهما أحمد "4/38، 71، 72، 73"ن أبو داود "2672"، الترمذي "1570"، ابن ماجة "3839"] ، من حديث الصعب بن جثامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم فقال: