على أنه لا يقتل أسير البغاة كما سيأتي في الفصل الذي أفرده المصنف لذكر أحكام البغاة فإن كان الأسير أو الجاسوس من البغاة قد قتلا قتلا يوجب عليهما القصاص كان قتلهما قصاصا وهو باب آخر غير باب البغي.
وأما قوله: "أو بسببهما" فلا وجه له لأن التسبب للقتل لا يوجب القصاص كما تقدم في الجنايات.
والحاصل أن هذه المسألة مبنية على غير أساس من طرفيها جميعا والصواب ما ذكرناه فاعرفه.
وأما قوله: "وإلا حبس الباغي وقيد" فهذا إن رآه الإمام صلاحا كان ذلك جائزا لأنه قد استحق ببغيه ما يستحقه العصاة من التعزير ولو لم يكن إلا كفه عن البغي بحبسه حتى يصلح ويتوب.
قوله: "وأن يعاقب بأخذ المال أو فساده".
أقول: قد تقرر بالأدلة الثابتة في الكتاب العزيز وفي السنة المطهرة عصمة مال المسلم وتحريم أكله بالباطل وأنه لا يحل بطيبة من نفسه وأن أصل دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم الحرمة فالواجب العمل على هذا الأصل والثبوت عليه وعدم الخروج عنه إلا بدليل ناهض يصلح للنقل فما ورد على وجه الصحة مما فيه العقوبة بأخذ المال أو إفساده كان مقصورا على محله لا يتعداه كما هو شأن ما ورد على خلاف القياس فضلا عن خلاف ما هو قطعي من قطعيات الشريعة هذا على فرض أنها لم تنسخ العقوبة بالمال وأنها ثابتة في تلك المواضع التي كان ورودها فيها وأما إذا كانت منسوخة فقد انقطع عرق مفسدتها وانهدمت ذريعتها وبطل حكمها وأراحنا الله من الإشتغال بها فإن هذه المسألة صارت ذريعة يتوصل بها إلى نهب أموال الرعايا ويصولون بها على من أنكر عليهم وقد تكررت مني الأبحاث فيها وأفردتها برسالة مستقلة فاشدد يديك على ما ذكرناه ولا تقبل إلا حجة صحيحة ثابتة عمن تقوم به الحجة فإنه لا يحجة فيما ورد عن بعض الصحابة ولا يجوز العمل به فيما لم يرد فيه دليل فكيف والدليل القطعي قائم بعصمة مال المسلم.
قوله: "وعليه القيام بما أمره إليه".
أقول: لما فرغ المصنف رحمه الله من ذكر ما هو للإعلام من الرعية ذكر ما هو عليه ومن جملة ذلك القيام بما أمره إليه وقد تقدم ذكره مفصلا لأن ذلك هو الغرض المقصود من نصبه إماما.
وأما قوله: "وتسهيل الحجاب" فوجهه أنها لما كانت حوائج المسلمين متعلقة به وهم محتاجون إليه لدفع ما ينوبهم ورفع ما نزل بهم كان احتجابه إضرارا بهم وإهمالا لحوائجهم وهذا خلاف ما هو المقصود من إمامته والمطلوب من زعماته فلو لم يرد في النهي عن الإحتجاب شيء لكان هذا كافيا فكيف وقد وردت الأدلة المصرحة بأشد الوعيد عليه إذا احتجب