وبيت المال مشتركا بينهم فإن كان لا يمكن القضاء من بيت المال في المستقبل فقد حق الوجوب على المسلمين كما قدمنا.

وإذا تقرر لك هذا فاعلم أن هذه الإستعانة المقيدة بهذه القيود المشروطة باستئصال قطر من أقطار المسلمين هي غير ما يفعله الملوك في زمانك من أخذ أموال الرعايا زاعمين أن ذلك معونة لجهاد مؤلف قد منعوه ما هو مؤلف به من بيت مال المسلمين أو جهاد من أبي من الرعايا أن يسلم ما يطلبونه منه من الظلم البحت الذي لم يوجبه الشرع أو جهاد من يعارضهم في الإمامة وينازعهم في الزعامة فاعرف هذا فإن هذه المسألة قد صارت ذريعة لعلماء السوء يفتون بها من قربهم من الملوك وأعطاهم نصيبهم من الحطام ومع هذا ينسون أو يتناسون هذه القيود التي قيدها المصنف بها وفاء بأغراض من يرجون منه الأغراض والأمر لله العلي الكبير.

قوله: "والإستعانة بالكفار والفساق".

أقول: أما الإستعانة بالفساق فلا مانع منها لأنهم من جملة المسلمين ولم يرد ما يدل على أنه لا يستعان إلا بمن كان مؤمنا صحيح الإيمان غير ملابس للمعاصي وقد استعان النبي صلى الله عليه وسلم بالمنافقين في كثير من حروبه وهم في الظاهر أشر من فساق المسلمين وفي البطان أضر من المعلنين بالشرك ولهذا كانوا في الدرك الأسفل من النار.

وأما الإستعانة بالكفار فلا تجوز على قتال المسلمين لأنه من تعاضد الكفر والإسلام على الإسلام وقبح ذلك معلوم ودفعه بأدلة الشرع لا يخفى وأما الإستعانة بالكفار على الكفار فقد وقع ذلك منه صلى الله عليه وسلم في غير موطن ووقع منه الرد لمن أراد إعانته من المشركين على قتال المشركين وقال لهم: "إنه لا يستعين بمشرك"، [مسلم "15/1817"، أحمد "14/41"] ، ويمكن الجمع بأن الجواز مع الحاجة ورجاء النفع والرد مع عدمهما أو أحدهما فيكون ذلك مفوضا إلى نظر الإمام.

وأما قوله: "حيث معه مسلمون" إلخ فوجهه أنه صلى الله عليه وسلم ما استعان بأحد من المشركين أو المنافقين إلا ومعه طائفة من خلص المسلمين.

قوله: "وقتل جاسوس وأسير كافرين أو باغيين".

أقول: أما الكفار فدماؤهم على الأصل الإباحة كما في آية السيف فكيف إذا نصبوا الحرب فظفر المسلمون بأسير أو جاسوس منهم فإنه يجوز للإمام قتلهما كما قتل صلى الله عليه وسلم من قتل من أسرى بدر وكما فعل في بني قريظة [البخاري "7/411"] ، وحكما قال الله عزوجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] ، وله المن أو الفداء كما قال الله عزوجل: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] ، فعرضت بهذا أنه لا وجه لقوله قتلا أو بسببهما فإنه لم يرد في الشرع ما يدل على هذا الإشتراط في حق الكفار أبدا وأما البغاة فدماؤهم معصومة بعصمة الإسلام لا يجوز قتلهم إلا دفاعا إذا صالوا على المسلمين وبغوا عليهم ولم يرد في الشريعة ما يدل على قتل أسيرهم ولا قتل جاسوسهم سواء كانت الحرب قائمة أم لا بل ورد ما يدل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015