قوله: "وغزو الكفار والبغاة إلى ديارهم".

أقول: أما غزو الكفار ومناجزة أهل الكفر وحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل فهو معلوم من الضرورة الدينية ولأجله بعث الله رسله وأنزل كتبه ومازال رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعثه الله سبحانه إلى أن قبضه إليه جاعلا لهذا الأمر من أعظم مقاصده ومن أهم شئونه وأدلة الكتاب والسنة في هذا لا يتسع لها المقام ولا لبعضها وما ورد في موادعتهم أو في تركهم إذا تركوا المقاتلة فذلك منسوخ باتفاق المسلمين بما ورد من إيجاب المقاتلة لهم على كل حال مع ظهور القدرة عليهم والتمكن من حربهم وقصدهم إلى ديارهم.

وأما غزو البغاة إلى ديارهم فإن كان ضررهم يتعدى إلى أحد من أهل الإسلام إذا ترك المسلمون غزوهم إلى ديارهم فذلك واجب دفعا لضررهم وإن كان لا يتعدى فقد أخلوا بواجب الطاعة للإمام والدخول فيما دخل سائر المسلمين ولا شك أن ذلك معصية عظيمة لكن إذا كانوا مع هذا مسلمين للواجبات غير ممتنعين من تأدية ما يجب عليهم تركوا وشأنهم مع تكرير الموعظة لهم وإقامة الحجة عليهم وأما إذا امتنعوا من ذلك فقد تظاهروا بالبغي وجاهدوا بالمعصية وقد قال الله عزوجل: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] ، وقد أجمع الصحابة على العزيمة التي عزمها أبو بكر الصديق رضي الله عنه من المقاتلة لمن فرق بين الصلاة والزكاة وسيأتي الكلام على صفة مقاتلة البغاة في الفصل الذي عقده المصنف لذلك.

وأما قوله: "وأخذ الحقوق كرها" فوجهه ظاهر واضح بل يجب عليه مقاتلتهم إذا لم يسلموها كما تدل عليه الأحاديث الصحيحة وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" إلخ وقد دخل أخذ الحقوق كرها تحت ما تقدم من قوله وإلزام من عليه حق الخروج منه والحمل على الواجب لأنها أهم الحقوق الواجبة ومنعها ظلم لمن جعلهم الله مصرفا لها من الثمانية الأصناف.

قوله: "والإستعانة من خالص المال" الخ.

أقول: وجه هذا أن مع خشية استئصال الكفار لقطر من أقطار المسلمين مع وجود بيت مال المسلمين وعدم التمكن من الإقتراض واستعجال الحقوق قد صار الدفع عن هذا القطر الذي خشي استئصاله واجب على كل مسلم ومتحتم على كل من له قدرة على الجهاد أن يجاهدهم بماله ونفسه ومن الإستعداد له للجهاد كالباعة في الأسواق والحراثين تجب عليهم الإعانة للمجاهدين بما فضل من أموالهم فإن هذا من أهم ما أوجبه الله على عباده والأدلة الكلية والجزئية من الكتاب والسنة تدل عليه وعلى الإمام أن لا يدع في بيت المال صفراء ولا بيضاء ويعين بفاضل ماله الخالص ولكن الواجب أن يأخذ ذلك على جهة الإقتران ويقضيه من بيت مال المسلمين عند حصول ما يمكن القضاء منه لأن دفع ما ينوب المسلمين من النوائب يتعين إخراجه من بيت مالهم وهو مقدم على أخذ فاضل أموال الناس لأن أموالهم خاصة بهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015