ورغم صور تعظيم الأصنام السابقة، وعقيدة العرب فيها، رغم ذلك لم تنشأ طبقة كهنوتية لها مميزاتها وخصائصها، كما حدث في البلاد الأخرى، بل بقي كهنة العرب بين الناس كأحدهم، يقومون بسائر الأعمال، ويشتركون في الحروب.
كذلك لم يحدث صراع من أجل الأصنام رغم تعددها، ولم تحاول قبيلة ما ضم أخرى لتعبد صنمها، بل وجدنا العكس، فالقبيلة تقدس صنمها، وفي نفس الوقت تحترم أصنام الآخرين، ولكنها لا تتقرب إلا إلى صنمها.
كذلك لم تنشأ لدى العرب عاطفة دينية تربطهم بالأصنام ربطا نفسيا، فيه الحماس والاندفاع، ومعه الغيرة والانفعال؛ ولذلك نراهم يتركون أصنامهم في الكعبة يوم قدوم أبرهة، ولا يفكرون إلا في البيت وحده دون معبوداتهم.
ولعل تفسير ذلك هو اعتقادهم أن كل هذه المقدسات من بيوت وأصنام ونُصُب ما هي إلا آلهة صغرى فوقها إله أكبر هو الخالق للجميع، وما عبادة المظاهر الطبيعة المادية إلا لتكون قُربى لله الأكبر؛ لأنه هو المالك لكل الآلهة الصغرى، وهو رب الحرم وحاميه، كانت التلبية السائدة عندهم تشير إلى أن الله هو المالك للأصنام، فهم يقولون فيها: "لبيك الله لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك"، وهكذا كانوا يوحدون الله في التلبية، ويدخلون معه آلهتهم، ويجعلون ملكها بيده1.
وأيضا فإنهم يوم قدوم "أبرهة" تركوا مكة، ورحلوا عنها إلى شعاب الجبل المحيطة بها، على أمل أن ينقذ رب الحرم حرمه، ولم ينتظروا معونة من هبل، أو اللات، أو غيرهما، ولم يفكروا في إنقاذها هي نفسها من الهدم والتكسير، يروي ابن هشام أن عبد المطلب لما أمر قريشا بالخروج من مكة أخذ بحلقة باب الكعبة وهو يقول: