وكان تعلق العربي الشديد بصنمه يشير إلى ارتباط عجيب معه، وتحمس من أجل دوام عبادته، فلقد دخل أبو لهب على أبي أحيحة "وهو سعيد بن العاص بن عبد شمس" وهو في مرضه الذي مات فيه فوجده يبكي فقال له: ما يبكيك؟ أمن الموت تبكي ولا بد منه؟!
قال: لا، ولكني أخاف أن لا تُعبد العزى بعدي.
فقال أبو لهب: والله ما عبدت حياتك لأجلك، ولا تترك عبادتها بعدك لموتك.
فقال أبو أحيحة: الآن علمت أن لي خليفة1.
ويبدو أن العرب كانت تعتقد أن لهذه الأصنام أثرا جعلهم يتمسحون بها ويطلبون نصرها ويرحلون بها، ويرون أن الاصنام احتوت روحها التي صورت في الأصل على شاكلتها، ولولا الروح التي احتوت ما كانت تستحق شيئا2.
من ذلك ما عرف من "اللات" فإنها كانت في الأصل صخرة يجلس عليها رجل يلت السويق، فلما مات اعتقدوا أن روحه تقمصت الحجر وسكنته، فاتخذوه إلها هو اللات، ومنه ما عرف عن "العزى" فإنها ثلاث شجرات اعتقد العرب أن الجن سكنتها، وأن التأثير فيها للجن الساكن فيها3.
وعلى الجملة كانت العرب تعتقد أن لكل صنم شيطانا، فمن عبد الصنم قضى الشيطان حوائجه بأمر الله الأكبر، وإلا أصابه الشيطان بنكبة عظيمة4، وأكد لهم هذا الاعتقاد ما كانت تصدره بيوتهم المقدسة بفعل الريح، أو بفعل الكهنة من أصوات خفية، جعلتهم يصدقون أن الأرواح والشياطين تكلمهم5.