أرادو أن يختنوا غلاما، أو ينكحوا منكحا، أو يدفنوا ميتا، أو شكوا في نسب أحدهم ذهبوا به إلى هبل، وأجروا القداح، ونفذوا المراد.
ولقد أشار الأزرقي إلى أن عباة الحجر نشأت في بني إسماعيل بسبب تعلقهم الشديد بالحرم وبمكة، لدرجة أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه من حجارة الحرم تعظيما للحرم، وصبابة بمكة، وبالكعبة، وحيث ما حلوا وضعوا هذا الحجر أمامهم؛ ليبقى رمزا لبيت الله في غيبتهم عن مكة، ويطوفون به كطوافهم بالكعبة، وظلوا على ذلك حتى عبدوا ما استحسنوا من الحجارة1.
ولعل هذه البداية سهلت للعرب تقدير الرمز نيابة عن أصله، وجعلوا ذلك مبدأ ينطبق على كل الأصنام مهما كانت بدايتها، وهو الذي جعلهم يتقبلون ما أتى به عمرو بن لحي من أصنام، حين أحضرها من بلاد الشام لقومه، ونصبها عند الكعبة، وذكر لهم أنها تنزل المطر، وتنصر في الحروب، وأمرهم بعبادتها فعبدوها2، وهو الذي أمرهم كذلك بعبادة إساف ونائلة، هذين الصنمين اللذين كانا في الأصل رجلا وامرأة فجرا في الكعبة فمسخا حجرين للازدجار والعظة، ولكنهما بتقادم العهد صارا صنمين، فلما أمر "عمرو بن لحي" بعبادتهما عُبدا3.
وقد كان العرب لهذا المبدأ يستحسون بعض أصنامهم مع علمهم أنها في الأصل صورة لقوم صالحين، معظمين من قومهم السابقين؛ لكنهم مع طول العهد تأولوا وقالوا: ما عظم الأولون هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم عند الله، فعبدوا صورهم، وعظموا أمرهم، واشتد كفرهم4 وما عبدوا الصورة إلا لاعتقادهم أنها رمز يستشفعون به نيابة عن صاحبه.