فقال له عدي: أنا عدي بن ربيعة. فخلاه"1؛ احتراما لكلمته، ووفاء بوعده.
وكانوا أهل حِلْم ولين، ويكفيهم عند الغضب كلمة يقولونها فتهدأ تاثرتهم وهي: "إذا ملكت فاسجح"، وما حروبهم إلا لحماية المنزلة، والمحافظة على المجد والشرف، وكانوا يتحرزون عن سفك الدم بقدر إمكانهم؛ ولذلك ندر عدد القتلى في معاركهم، ففي يوم "شمطة" وهو أول أيام الفجار لم يقتل أحد من قريش، كذلك لم يقتل أحد من بني بكر بن عبد مناف، وفي يوم "الشعب" وكان أهله ثلاثين ألفا، وكان أعداؤهم أضعاف ذلك، في هذا اليوم لا يقتل إلا رجل من كل طرف2، ولم تكن الحرب تقوم أو تتوقف، إلا بعد أن يجتمع أهل الحل والعقد من القبائل؛ ليقرروا ما يستقر عليه الأمر3.
وأما سخاؤهم وكرمهم فهو مضرب الأمثال، ويكفي أنهم كانوا يوقدون نارا تسمى "نار القِرَى" توقد لاستدلال الأضياف بها على المنزل، وكانوا يوقدونها على الأماكن المرتفعة لتكون أشهر، وكثيرا ما أوقدوا معها عطرا يطير مع الريح ليهتدي إليها العميان4.
وقد اشتملت أخلاقهم على صرامة وجدية، والناظر لأسباب حرب الفجار وقيام حلف الفضول، يدرك ذلك.
إن سبب حرب الفجار كان قتل رجل في الحرم5، الأمر الذي أدى إلى ثورة القبائل وتجمعها في مواجهة من فجر في الأشهر الحرم؛ لتنتقم للقتيل، ولتبقى درسا بعدها لكل من يفكر في هتك حرمة مكة أو التعدي في الأشهر الحرم، وحتى لا يفجر