مواطنهم من المياه، وقد أدى الفقر الشنيع بهم إلى قتل أولادهم أو بيعهم؛ ليستعينوا بأثمانهم على مطالب الحياة1.
وكان مجال العمل أمام البدو ضيقا جدا؛ لأن الخير فوق رمال الصحراء القاحلة نادر، ومن هنا لم يكن أمامهم إلا أن يعملوا للأغنياء في رعي الإبل، أو في خدمتهم، فإن أبت ذلك نفوسهم تحولوا للغزو والإغارة2.
وقد وقعت بين قبائل البدو المتناثرة في الجزيرة حروب ومنازعات هي أيامهم، ورغم كثرتها فإن الدم لم يرق فيها كثيرا؛ لأن البدوي لم يكن يرمي إلى سفك الدماء بلا مبرر3، وكثيرا ما كانت هذه المنازعات بسبب دفاع البدوي عن خلق كريم، أو رد لظلم واضح، وتعتبر "حرب البسوس" وهي أطول حروبهم صورة رائعة لاحترام البدوي لواجب الضيافة المقدس4 عند العرب ودفاعه عن الأضياف، وقد اشتهر البدوي بالشجاعة والكبرياء منذ القديم، وقد أكسبتهم الصحراء بما فيها من مخاطر صفات جعلتهم أشجع من الحضر5، وعوَّدتهم الاعتماد على أنفسهم.
وكان لعرب الجزيرة تصرفات أخلاقية راقية، فالوفاء بالوعد صفة بارزة لا تنقض؛ حيث يرون أن الغدر من كبائر الأمور، ذكروا أن الحارث بن عباد مر على عدي بن ربيعة، وهو قاتل أبيه في يوم "قضه" وكان يبحث عنه ليثأر منه لأبيه فلما لقيه وهو لا يعرفه قال له: "دلني على عدي بن ربيعة.
فأجابه عدي: إن دللتك عليه أتؤمنني؟!
قال الحارث: نعم.