أن يسدد الْخُطَى، وييسر الصعب، ويقرب البعيد، والله على كل شيء قدير.
وزاد من تباعد الأمنية بروز المؤلفات الضخمة العديدة حول شخصية المصطفى صلى الله عليه وسلم، متناولة أهم جوانب العظمة في السيرة النبوية، حتى خُيل إليَّ أن هذه المؤلفات لم تترك لي ولمن يأتي بعدي مجالًا نبرزه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحمدت الله، ولجأت للسكوت الهادئ، واكتفيت بالقراءة والتعلم، وقلت لنفسي: لأكن متعلمًا ما دمت قد عجزت عن أن أكون عالِمًا معلِّمًا.
ولم يطل بي الحال إذ وقع أمر قدري أعاد لي الأمل مرة أخرى، حين حدث حِوار علمي حول ماهية الفروق بين السيرة النبوية، وبين تاريخ الإسلام في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، أو بين فقه السيرة النبوية، وبين الدعوة في عصر النبوة، ووجدت نفسي في خضم المناقشة أؤكد أن السيرة النبوية لا بد معها من فقه يعيش مع الحدث ويأخذ العبرة حتى لا تروى السيرة في صورة جامدة خامدة، لا تليق برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أفنى حياته في خدمة الإسلام، وتبليغ الدعوة، والدفاع عن دين الله تعالى، وتلك كانت مهمته، يقول تعالى: {وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} 1.
إن السيرة النبوية إذا درست مع التحليل واستنباط العبر، فإنها تعد تاريخا للدعوة في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي زيارة لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفت أمام قبره صلى الله عليه وسلم، وجاشت الخواطر في ضميري، ودارت تصوراتي دورة سريعة حول حياة وجهاد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقلت لنفسي: إني أقف أمام محرك البشرية كلها، وأرى الآن التاريخ مجسدا في قوته النابضة، وألفت ضميري يلتصق بعالم اللاشعور الخفي، متنقلا بين روابي مكة، وبادية بني سعد، وفي غار حراء، وثور، وعند بدر، وأُحُد،