وصنعه، كانت فارقة بين قريش وأهل مكة، وقبائل يثرب العربية، منها ما طبعها الله عليه من الرقّة واللّين وعدم المغالاة في الكبرياء وجحود الحقّ، وذلك يرجع إلى الخصائص الدمويّة والسّلالية التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وفد وفد من اليمن، بقوله: «أتاكم أهل اليمن أرقّ أفئدة وألين قلوبا» (?) وهما ترجعان في أصلهما إلى اليمن، نزح أجدادهم منها في الزمن القديم، يقول القرآن مادحا لهم:
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [الحشر: 9] .
ومنها أنّهما قد أنهكتهما الحروب الداخلية، وما يوم بعاث ببعيد (?) ، وقد اكتووا بنارها، وذاقوا مرارتها، وعافوها، ونشأت فيهم رغبة في اجتماع الكلمة، وانتظام الشّمل، والتفادي من الحروب، وذلك ما عبّروا عنه بقولهم: «إنّا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشرّ ما بينهم،