فعسى أن يجمعهم الله بك، فإن يجمعهم الله بك، فلا رجل أعزّ منك» ، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان يوم بعاث يوما قدمه الله تعالى لرسوله» .
ومنها أنّ قريشا، وسائر العرب قد طال عهدهم بالنبوّات والأنبياء، وأصبحوا يجهلون معانيها بطول العهد، وبحكم الأميّة والإمعان في الوثنيّة، والبعد عن الأمم التي تنتسب إلى الأنبياء وتحمل الكتب السماوية- على ما دخل فيها من التحريف والعبث- وذلك ما يشير إليه القرآن بقوله:
لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ [يس: 6] .
أمّا الأوس والخزرج فكانوا يسمعون اليهود يتحدّثون عن النبوّة والأنبياء، ويتلون صحف التوراة ويفسّرونها، بل كانوا يتوعّدونهم به، ويقولون: إنّه سيبعث نبيّ في آخر الزمان، نقتلكم معه قتل عاد وإرم (?) ، في ذلك يقول الله تعالى:
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ [البقرة: 89] .
وبذلك لم تكن بين أبناء الأوس والخزرج وسكان المدينة من العرب المشركين تلك الفجوة العميقة الواسعة من الجهل والنّفور من المفاهيم الدينية والسّنن الإلهية التي كانت بينها وبين أهل مكة وجيرانهم من العرب، بل قد عرفوها وألفوها عن طريق اليهود، وأهل الكتاب الذين كانوا يختلطون بهم بحكم البلد والجوار والصلح والحرب والمحالفات، فلمّا تعرّفوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حضروا الموسم، ودعاهم إلى الإسلام، ارتفعت الغشاوة عن