كان سهيل بن عمرو أحد زعماء قريش البارزين الذين كانوا يعرفون بالحنكة السياسية والدهاء, فهو خطيب ماهر، ذو عقل راجح، ورزانة، وأصالة في الرأي.

شرع الفريقان المتفاوضان في بحث بنود الصلح، وذلك بعد رجوع عثمان بن

عفان - رضي الله عنه -، وقد استعرض الفريقان النقاط التي يجب أن تتضمنها معاهدة الصلح، واستعرضا في مباحثاتهما مختلف القضايا التي كانت تشكل مثار الخلاف بينهما. هذا وقد اتفق الفريقان من حيث المبدأ على بعض النقاط، واختلفا على البعض الآخر، وقد طال البحث والجدل والأخذ والرد حول هذه البنود، وبعد المراجعات والمفاوضات تقاربت وجهات النظر بين الفريقين، وعند الشروع في وضع الصيغة النهائية للمعاهدة وكتابتها لتكون نافذة المفعول رسميًّا حدث خلاف بين الوفدين على بعض النقاط كاد أن يعثِّر سير هذه الاتفاقية, فعندما شرع النبي صلى الله عليه وسلم في إملاء صيغة المعاهدة المتفق عليها، أمر الكاتب وهو سيدنا علي بن أبي طالب، بأن يبدأ المعاهدة بكلمة: (بسم الله الرحمن الرحيم)، وهنا اعترض رئيس الوفد القرشي سهيل بن عمرو قائلا: لا أعرف الرحمن، اكتب (باسمك اللهم)، فضج الصحابة على هذا الاعتراض، قائلين: هو الرحمن، ولا نكتب إلا الرحمن, ولكن النبي صلى الله عليه وسلم تمشيًا مع سياسة الحكمة والمرونة والحِلْم، قال للكاتب: «اكتب باسمك اللهم» (?) واستمر في إملاء صيغة المعاهدة هذه، فأمر الكاتب أن يكتب «هذا ما اصطلح عليه رسول الله»، وقبل أن يكمل الجملة اعترض رئيس الوفد القرشي على كلمة رسول الله قائلا: لو أعلم أنك رسول الله ما خالفتك، واتبعتك، أفترغب عن اسمك واسم أبيك محمد بن عبد الله؟ اكتب اسمك واسم أبيك (?).

واعترض المسلمون على ذلك, ولكن رسول الله بحكمته وتسامحه وبُعد نظره حسم الخلاف وأمر الكاتب بأن يشطب كلمة رسول الله من الوثيقة فالتزم الصحابة الصمت والهدوء.

إن النبي صلى الله عليه وسلم وافق المشركين على ترك كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) وكتابة (باسمك اللهم) بدلا عنها، وكذا وافقهم في كتابة محمد بن عبد الله وترك كتابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا وافقهم في رد من جاء منهم إلى المسلمين دون من ذهب منهم إليهم، وإنما وافقهم في هذه الأمور للمصلحة المهمة الحاصلة بالصلح مع أنه لا مفسدة في هذه الأمور، أما البسملة وباسمك اللهم فمعناهما واحد، وكذا قوله (محمد بن عبد الله) هو أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وليس في ترك وصف الله سبحانه وتعالى في هذا الموضع بالرحمن الرحيم ما ينفي ذلك، ولا في ترك وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة ما ينفيها، فلا مفسدة فيما طلبوه، وإنما كانت المفسدة تكون لو طلبوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015