كيف كانت الأيام الأخيرة في حياته صلى الله عليه وسلم؟ لقد حرص صلى الله عليه وسلم في أيامه الأخيرة على توديع الجميع، حتى إنه لم يودع الأحياء فقط، بل ودع الأموات أيضاً، فقد خرج صلى الله عليه وسلم في أوائل شهر صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة إلى أحد فصلى على الشهداء هناك وودعهم، ومن ثم رجع إلى المدينة المنورة، وصعد المنبر وأوصى الناس كما روى البخاري عن عقبة بن عامر قال: (إني فرطكم - يعني: أنا سابقكم إلى الله عز وجل-، وإني شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها).
وصايا من الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أمته في آخر حياته.
وفي أواخره شهر صفر، خرج صلى الله عليه وسلم إلى البقيع حيث يدفن الموتى من أهل المدينة المنورة هو وأبو مويهبة وهو مولى للرسول عليه الصلاة والسلام، روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده والدارمي في سننه عن أبي مويهبة: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه من جوف الليل ذات ليلة فقال: يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي، يقول أبو مويهبة رضي الله عنه: فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال: السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس).
يعني: ما أنتم فيه الآن أفضل مما يعيش فيه الناس، ومما هم قادمون عليه.
ثم قال: (لو تعلمون ما نجاكم الله منه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها، الآخرة شر من الأولى، يقول أبو مويهبة رضي الله عنه: ثم أقبل علي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا مويهبة إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، وخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي عز وجل والجنة، فقال أبو مويهبة: قلت: بأبي وأمي فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت ربي عز وجل، ثم استغفر لأهل البقيع وبشرهم بقوله: إنا بكم للاحقون، ثم انصرف إلى بيته صلى الله عليه وسلم).