بدأ مرض الرسول عليه الصلاة والسلام الذي كان في نهايته الوفاة، ويصعب على النفس أن تتصور موت الرسول صلى الله عليه وسلم، فسبحان الله الذي ثبت أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه الفاجعة.
ونحن بعد مرور أكثر من (1400) سنة على موت الرسول عليه الصلاة والسلام لا نستطيع أن نتمالك أنفسنا عند سماع أو قراءة قصة وفاة الحبيب صلى الله عليه وسلم، فقد كانت بلا مبالغة أكبر مصيبة، وأعظم كارثة في تاريخ الأرض منذ خلقها الله عز وجل وإلى يوم القيامة.
ومع كون وفاة الأنبياء بصفة عامة مصيبة كبيرة على أقوامهم، إلا أن مصيبة وفاة الرسول عليه الصلاة السلام كانت أعظم وأجل، ليس فقط لكونه صلى الله عليه وسلم أعظم الأنبياء أو سيد المرسلين وإن كان كذلك صلى الله عليه وسلم، لكن كانت المصيبة الكبرى هي انقطاع الوحي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم انقطاعاً أبدياً إلى يوم القيامة؛ لأنه لا يوجد نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى مدار ثلاثة وعشرين سنة كاملة تعود الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على نزول الوحي من السماء في كل لحظة، وفي كل ظرف وفي كل أزمة.
رحلة طويلة من الأحداث الساخنة والصاخبة والمعقدة كان الوحي فيها دليلاً للمسلمين وهادياً لهم، ومبصراً لعقولهم، ومطمئناً لأفئدتهم.
فما أعجب الحياة في ظل الوحي! ولا شك أن البشر جميعاً يخطئون، والمؤمن الصادق يعتذر سريعاً عن خطئه ويتوب من قريب، لكن أحياناً تختلط الحقائق مع الأباطيل، فيتوه الصواب بين طرق الخطأ المتشعبة، فتجد الإنسان المسلم يأخذ أحياناً قراراً يحسبه سليماً صحيحاً شرعياً، بينما يكون الحق في خلاف ذلك، يحدث هذا مراراً وتكراراً معنا ومع الناس جميعاً، حتى إننا لا ندري أكنا على حق أم اخترنا الباطل؟ لكن في أيام الوحي كان الوضع مختلفاً عن وضعنا، كان إذا أخطأ الصحابة نزل الوحي يبين لهم الخطأ، ويبصرهم بالطريق، ويوضح الحق من الباطل، فيعلم الصحابة علماً يقينياً حدود الحق وحدود الباطل، حتى عندما كان صلى الله عليه وسلم يختار رأياً خلاف الأولى، كان الوحي ينزل بالتصويب وبترتيب الأوليات، وبتوضيح الفروق الدقيقة جداً بين الصحيح والأصح، وبين الفاضل والمفضول، كانت حياة عجيبة.
نعم، ترك الله عز وجل لنا منهجاً قيماً عظيماً نعرف به الحلال من الحرام ونرتب به الأوليات ترتيباً شرعياً سليماً، لكن ليس ذلك كما كان أيام الوحي.
وكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يحبون الرسول عليه الصلاة والسلام أكثر من حبهم لأبنائهم وإخوانهم وأزواجهم، بل أكثر من أنفسهم، وكلنا نعلم قصة امرأة بني دينار وذكرناها في غزوة أحد، عندما علمت باستشهاد أبيها وأخيها وزوجها في موقعة أحد، فقالت في لهفة: (ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: هو بخير كما تحبين، قالت: أرونيه، فلما رأته سالماً قالت: كل مصيبة بعدك جلل) يعني: صغيرة يسيرة؛ لذلك كانت مصيبة موت الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من كل المصائب التي حدثت في الأرض منذ خلقت وإلى يوم القيامة.