عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أيضاً من عمالقة الإيمان في ذلك اليوم، فقد أتى بنصف ماله رضي الله عنه، جاهد في سبيل الله بنصف ثروته.
وإياك أن تنتقصه بعد أن رأيت فعل أبي بكر رضي الله عنه، فإن عمر بن الخطاب أتى بما لا يستطيع عامة البشر أن يأتوا به، ولولا أنك تقارنه بـ الصديق لما شعرت أبداً بقلة عطائه رضي الله عنه، وإلا فقارن عمر بن الخطاب بغيره من البشر، فمن يستطيع أن يتنازل في موقف واحد عن نصف ممتلكاته في سبيل الله؟! احسبها مع نفسك وكن صادقاً، قرار صعب، لو كان معك عشرة آلاف جنيه، أو مائة ألف جنيه أتستطيع قسمه نصفين: نصف تتبرع به للجيوش الإسلامية، ونصف تبقيه معك؟ هذا صعب، بل لعله مستحيل في حق الكثيرين من أبناء الأمة بدون هؤلاء العمالقة الذين يستطيعون أن يأخذوا مثل هذا القرار.
وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه فعل نفس الشيء الذي فعله عمر رضي الله عنه وأتى بنصف ماله، ونصف ماله كان مائتي أوقية من الفضة، والرسول عليه الصلاة والسلام قال له آنذاك: (بارك الله لك فيما أنفقت وفيما أبقيت)، وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد بارك الله عز وجل في مال عبد الرحمن بن عوف، فما أفقرته الصدقة التي دفع، ما نقص ماله، ما ضاع أولاده، ما شردت نساؤه، بل قسمت ثروته الذهبية بالفئوس بعد موته، بورك في ماله حياً وميتاً، هذا وعد الله عز وجل، والله عز وجل لا يخلف الميعاد، وهذا الكلام ليس خاصاً بـ عبد الرحمن بن عوف فقط، بل هو لأي إنسان ينفق في سبيل الله.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقسم في الحديث ويقول: (ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه.
وذكر منها: ما نقص مال عبد من صدقة).
والله عز وجل يقول في كتابه الكريم: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39]، هذا وعد الله عز وجل، والمسألة في النهاية مرجعها إلى اليقين.