كيفية تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأنصار في موقفهم من توزيع غنائم حنين

تعالوا بنا ننظر كيف تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بوادر هذه الأزمة الخطيرة؟ وإن سريان مثل هذا الشعور في هذه الطائفة المهمة جداً من الجيش قد يؤدي إلى كوارث مستقبلية، هذه الكوارث بكل وضوح قد تعصف بالدولة الإسلامية.

ماذا نفعل إذا كانت هناك بوادر انسلاخ مجموعة من الجنود عن الصف العام للمسلمين؟ فهيا بنا لنرى المنهج النبوي الرفيع في علاج مثل هذا الأمر، هذا العلاج يجمع بشكل فريد فعلاً بين إقناع العقل وإرضاء العاطفة: أولاً: عدم التغافل عن النار التي تحت الرماد، كان الموقف الشرعي والعقلي للرسول صلى الله عليه وسلم في قضية الغنائم سليماً تماماً، وهو الأولى بلا جدال، بدليل أن الوحي لم ينزل بخلاف ذلك، ومع ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام حرص على علاج الموقف من البداية، لم يقل مثل ما يقول الكثير من الناس: ما دام أنني على الصواب لا يهمني كلام الناس، لم يقل: ما دام الله سبحانه وتعالى راضياً وعالماً ليس هناك داع إلى أن أسترضي الناس أو أبين لهم الأمر.

لم يقل: إن الأنصار مؤمنون شديدو الإيمان، وهذا كلام عارض لن يؤثر في مستقبل الدولة الإسلامية.

لم يقل: إن الأيام كفيلة بحل هذه القضايا، بل إنه لم يقل: أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وواجب عليهم الطاعة.

لم يقل هذا الكلام ولا غيره من الكلام، بل انتقل إلى حل المشكلة بموضوعية، وأخذ الموضوع بمنتهى الجدية، ولم يؤجل الموضوع يوماً واحداً، ولا حتى ساعة واحدة، كان حاسماً تماماً في قراره، سريعاً في حل الأزمة، قال لـ سعد بن عبادة مباشرة: (فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة).

إذاً: الملمح الأول في حل المشكلة: عدم التغافل عن الأزمة وهي ما زالت في بدايتها.

ثانياً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن لا ينتشر الأمر بين المسلمين، فقصر الحديث فيه مع أهل المشكلة وهم الأنصار، فهو لم يشأ أن يعلم به عامة الناس؛ لئلا يفتن بعضهم بالشبهة التي أثيرت، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لكي لا يأخذ الناس موقفاً سلبياً من الأنصار إذا تبين خطأ الأنصار، لكي تظل صورة الأنصار جميلة ومحفوظة عند عامة الناس، ولذلك عندما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم بعض المهاجرين يدخلون إلى الحظيرة التي سيتم فيها اللقاء في البداية تركهم، لكن عندما رآهم يزيدون منع دخول المهاجرين، وسمح بدخول الأنصار فقط، فهو حصر المشكلة في إطار محدود، بل إنه في رواية في البخاري ومسلم عن أنس سألهم تصريحاً قال: (أفيكم أحد من غيركم؟ قالوا: لا، إلا ابن أخت لنا، فقال صلى الله عليه وسلم: ابن أخت القوم منهم).

الشاهد أن معظم الذين حضروا أو كلهم من الأنصار.

ثالثاً: أن وسائل حل مثل هذه المشاكل الضخمة من أبلغ الوسائل، فقد حرص الرسول عليه الصلاة والسلام على لقاء أصحاب المشكلة بنفسه صلى الله عليه وسلم، ليسمع منهم ويسمعوا منه دون واسطة؛ لأن الواسطة قد لا تحمل الكلمات تماماً كما قيلت، وهذا الكلام ليس طعناً في الواسطة أو تقليلاً من إمكانيات الواسطة، أبداً، لكن شعور الجنود عامة بالقرب من قائدهم يحل الكثير جداً من المشاكل التي ممكن أن تحصل.

أحياناً الحوار المباشر بين القائد والجنود يخرج بعض القضايا التي يكتمها الجنود عادة، ويفتح باب التحاور، ويناقش الفرعيات، وكل هذا الكلام يساهم في احتواء الأزمة في أولها.

رابعاً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام علل بوضوح وصراحة التقسيم الذي قسمه للغنائم، وذكر لهم السبب الذي من ورائه أعطى هؤلاء وترك الأنصار، قال لهم: (فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم) يعني: ليس تقديمي لهم؛ لأني أحبهم بصورة أكبر، أو لأني أقدر موقفهم البطولي، أو أداءهم المتميز، بل على العكس أنا وبكل صراحة أعلم أن قلوبهم مترددة، وأن أقدامهم ليست براسخة بعد في الإسلام، ولذلك أعطيهم.

فهذه الكلمات جاءت في منتهى الوضوح وبدون تورية حتى تحل المشكلة حلاً جذرياً.

خامساً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لفت أنظار الأنصار إلى النظر أيضاً إلى النصف المملوء من الكوب، هذا هو النظر الواقعي، لو كان هناك كوب مملوء إلى النصف، فليس من الصواب أن تنظر إلى نصفه الفارغ، فتكون شديد التشاؤم، وليس من الصواب أيضاً أن تنظر إلى نصفه المملوء فتكون شديد التفاؤل بصورة غير واقعية، لكن الصواب أن تكون متوازناً وترى الأمر على حقيقته، نصف مملوء ونصف فارغ، نعم أنتم لم تأخذوا من هذا المال ومن هذه العطايا السخية، لكن ألم تأخذوا شيئاً؟! هل ألفتم النعمة فنسيتموها؟! ألم يقدم لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قبل ذلك؟! ألم ينفعكم الإسلام؟! ألم تستفيدوا من انضمامكم إلى هذا الكيان الجديد في الدولة الإسلامية؟! انظروا نظرة متوازنة حتى لا تشعروا بالغبن أو الظلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك هذا الكلام عائماً دون توثيق، بل ذكر طرفاً مما حصله الأنصار من الإسلام، ولم يذكر كل النعم، ذكر بعض النعم، وكان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015