بعد انتهاء توزيع الغنائم بكاملها ورضا كل فريق بما أخذ، سواء من الجزء الرئيسي من الغنيمة أو من الخمس الذي وهب للبعض، بعد انتهاء هذا التوزيع حدثت مفاجأة ضخمة غير متوقعة، جاء وفد من قبيلة هوازن أو بالتحديد من بطون بني نصر وبني سعد وكل بطون هوازن الأخرى باستثناء قبيلة ثقيف، جاءوا جميعاً إلى وادي الجعرانة.
لماذا جاءوا إلى هذا المكان الآن؟ هل جاءوا للتهديد والوعيد، أم جاءوا للمفاوضات مع الرسول عليه الصلاة والسلام، أم جاءوا لتحديد موعد جديد للقتال والثأر؟ لم يأتوا لهذا كله، وإنما جاءوا للإسلام، جاء وفد هوازن يعلن إسلامه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الوفد مكوناً من أربعة عشر نفراً، يمثلون بطون هوازن المختلفة باستثناء ثقيف كما قلنا.
وجدوا أنفسهم خسروا كل شيء، خسروا نساءهم وأبناءهم وأموالهم وأنعامهم، خسروا حاضرهم وسيخسرون أيضاً مستقبلهم إن هم بقوا على الشرك، ومثلما ذكرنا قبل ذلك أنهم كانوا قد فروا إلى الطائف مع ثقيف، وما استطاعوا الخروج لحرب المسلمين، وكان أمامهم بعد فقد كل هذه الممتلكات أن يفقدوا أيضاً ديارهم، ويعيشوا عمرهم لاجئين عند ثقيف في الطائف، كان موقفهم صعباً جداً، ففكروا لو أنهم عادوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد يقبل منهم إسلامهم، وقد يعيد إليهم بعض الممتلكات، وواضح جداً أنهم لم يأتوا حباً في الإسلام، لكن معظم الذين يدخلون الإسلام لأجل شيء دنيوي يحبونه بعد فترة من الزمان تقصر أو تطول، فهم في النهاية بعد أن يعيشوا الإسلام سيشعرون بقيمته.
جلس وفد هوازن مع الرسول عليه الصلاة والسلام وأعلنوا إسلامهم، ثم قالوا: (يا رسول الله! إنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فامنن علينا منّ الله عليك) ثم قام خطيبهم زهير بن صرد فقال: (يا رسول الله! إنما في الحظائر من السبايا خالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك - يعني منهم بنو سعد الذين أرضعوا الرسول صلى الله عليه وسلم - ثم أنشد شعراً كان منه: امنن علينا رسول الله في كرم فإنك المرء نرجوه وننتظر) فماذا يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم في موقف مثل هذا؟ الموقف في غاية الحرج، ها هي القبيلة الضخمة هوازن تأتي لتعلن إسلامها، وكما ذكرنا أنهم ما أتوا حباً في الإسلام، ولكنهم جاءوا لأنهم خسروا كل شيء، ولم يعد أمامهم من سبيل إلا أن يسلموا، فيستردوا شيئاً من ممتلكاتهم، فماذا يحدث إن لم تعد لهم نساؤهم وأموالهم؟ إن ردتهم محتملة جداً، بل هي الأغلب، وهذا هو المتوقع، في نفس الوقت الرسول عليه الصلاة والسلام قسم كل شيء في الغنائم على الجيش، أربعة أخماس الغنائم تقسمت على أفراد الجيش العام، وقسم كذلك الخمس المتبقي على سادة القبائل والزعماء وطلقاء مكة وغيرهم من المؤلفة قلوبهم، فالرسول عليه الصلاة والسلام أعطى هذه العطايا ليتألف قلوب الناس، لو أخذ منهم هذه الأشياء فقد يرتدون عن الإسلام، فماذا يعمل؟ هو يريد إسلام هوازن، وفي نفس الوقت يريد ثبات أهل مكة وزعماء القبائل، كيف الخروج من هذه الأزمة؟