إن الرسول عليه الصلاة والسلام عند توزيع غنائم حنين أعطى من غنائم حنين بعض المشركين، ومن أشهر من أعطاهم: أحد زعماء مكة الكبار صفوان بن أمية وكان مشركاً.
وصفوان هو ابن الزعيم المكي المشهور أمية بن خلف، وأمية بن خلف قتل كافراً في بدر، وصفوان من زعامات مكة الذين اشتركوا في الحروب المتتالية ضد المسلمين، وممن فر من مكة بعد الفتح صفوان بن أمية، والرسول عليه الصلاة والسلام قبل ذلك كان قد أعطاه مدة أربعة شهور ليفكر في أمر الإسلام، ثم استأجر منه صلى الله عليه وسلم السلاح في غزوة حنين، وخرج صفوان مع الجيش المسلم إلى حنين؛ ليحمل الأسلحة للمسلمين على جماله، وظهرت منه بعض الكلمات توضح ميلاً إلى الإسلام، لما انهزم المسلمون في أول الأمر وهربوا قال كلدة بن حنبل: ألا بطل السحر اليوم، فاعترض صفوان على شماتة كلدة وقال: اسكت فض الله فاك، فوالله لأن يربني -أي: يملكني- رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن.
وإن كان قال هذا الكلام من ناحية قبلية بحتة إلا أنه عبر عن اختفاء الضغينة الشديدة للرسول عليه الصلاة والسلام من قلبه.
ويبدو أن الرسول عليه الصلاة والسلام أحس منه فرصة إسلام، فأراد أن يجزل له العطاء بصورة أضخم من كل التصور.
فـ صفوان بن أمية كان واقفاً يشاهد الناس تأخذ الغنائم، ولكونه من المشركين بقي يشاهد متحسراً، فنادى الرسول عليه الصلاة والسلام صفوان بن أمية وأعطاه مائة من الإبل، كما أعطى زعماء المسلمين من أهل مكة، وبعد أن أعطاه الإبل نظر إلى واد في حنين فيه إبل كثيرة وشياه كثيرة، فظهرت عليه علامات الانبهار من كمية الأنعام، فقال له صلى الله عليه وسلم: أبا وهب يعجبك هذا الشأن؟ يعني: أعجبتك هذه الأغنام وهذه الإبل؟ قال صفوان في صراحة شديدة: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم في سهولة وكأنه يتنازل عن جمل أو جملين: هو لك وما فيه.
فذله صفوان بن أمية من هذا التصرف العجيب من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يملك صفوان بن أمية نفسه أن قال: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله.
فأسلم صفوان في مكانه.
يقول صفوان بن أمية كما روى الإمام مسلم في الصحيح: (والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي) صلى الله عليه وسلم.
أي خير أصاب صفوان رضي الله عنه وأرضاه؟ أي خير تحقق لقبيلة بني جمح عندما أسلم زعيمها؟ أي خير حقق لمكة؟ أي خير تحقق للمسلمين عندما أضيفت إليهم قوة الزعيم المكي المشهور صفوان بن أمية والذي حسن إسلامه بعد ذلك، وصار من المجاهدين في سبيل الله؟ كل هذا الخير حصل بمجموعة من الإبل والشياه، فأي قيمة لهذه الإبل والشياه؟ هذه الإبل والشياه إما تؤكل أو تموت، بل الدنيا بكاملها ستفنى، لكن الذي لا يزول هو نعيم الجنة، كم من البشر سيذوق نعيم الجنة ويخلد فيه؛ لأنه أعطي مجموعة من الإبل والشياه؟ أليس هذا فهماً راقياً من رسول الله صلى الله عليه وسلم لحقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة، وحقيقة الغنائم وحقيقة البشر؟! أليس هذا تقديراً صائباً من الرسول الحكيم صلى الله عليه وسلم؟